وجملة{ لا يمسه إلا المطهرون} صفة ثانية ل{ كتاب} .
و{ المطهّرون}: الملائكة ،والمراد الطهارة النفسانية وهي الزكاء .وهذا قول جمهور المفسرين وفي « الموطأ » قال مالك: أحسن ما سمعت في هذه الآية{ لا يمسه إلا المطهرون} أنها بمنزلة هذه الآية التي في عبس وتولى ( 11 16 ) قول الله تبارك وتعالى:{ لكلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة اهـ .{ يريد أن المطهرون} هم السفرة الكرام البررة وليسوا الناس الذين يتطهرون .
ومعنى المسّ: الأخذ وفي الحديث: « مَس من طيبة » ،أي أخذ .ويطلق المسّ على المخالطة والمطالعة قال يزيد بن الحكم الكلابي:
مسِسْنا من الآباء شيئاً فكلُّنا *** إلى حسَب في قومه غير واضع
قال المرزوقي في شرح هذا البيت من « الحماسة »: « مسسنا » يجوز أن يكون بمعنى أصبنا واختبرنا لأن المس باليد يقصد به الاختبار .ويجوز أن يكون بمعنى طلبنا اهـ .فالمعنى: أن الكتاب لا يباشر نقل ما يحتوي عليه لتبليغه إلا الملائكة .
والمقصود من هذا أن القرآن ليس كما يزعم المشركون قول كاهن فإنهم يزعمون أن الكاهن يتلقى من الجن والشياطين ما يسترِقونه من أخبار السماء بزعمهم ،ولا هو قول شاعر إذ كانوا يزعمون أن لكل شاعر شيطاناً يملي عليه الشعر ،ولا هو أساطير الأولين ،لأنهم يعنون بها الحكايات المكذوبة التي يَتلهى بها أهلُ الأسمار ،فقال الله: إن هذا القرآن مطابق لما عند الله الذي لا يشاهده إلا الملائكة المطهرون .