وقوله:( وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ) أي:وإن هذا القسم الذي أقسمت به لقسم عظيم ، لو تعلمون عظمته لعظمتم المقسم به عليه ، ( إنه لقرآن كريم ) أي:إن هذا القرآن الذي نزل على محمد لكتاب عظيم . ( في كتاب مكنون ) أي:معظم في كتاب معظم محفوظ موقر .
قال ابن جرير:حدثني إسماعيل بن موسى ، أخبرنا شريك ، عن حكيم - هو ابن جبير - عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس:( لا يمسه إلا المطهرون ) قال:الكتاب الذي في السماء .
وقال العوفي ، عن ابن عباس:( [ لا يمسه] إلا المطهرون ) يعني:الملائكة . وكذا قال أنس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، وأبو الشعثاء جابر بن زيد ، وأبو نهيك ، والسدي ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغيرهم .
وقال ابن جرير:حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا ابن ثور ، حدثنا معمر ، عن قتادة:( لا يمسه إلا المطهرون ) قال:لا يمسه عند الله إلا المطهرون ، فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي النجس ، والمنافق الرجس . وقال:وهي في قراءة ابن مسعود:"ما يمسه إلا المطهرون ". وقال أبو العالية:( لا يمسه إلا المطهرون ) ليس أنتم أصحاب الذنوب .
وقال ابن زيد:زعمت كفار قريش أن هذا القرآن تنزلت به الشياطين ، فأخبر الله تعالى أنه لا يمسه إلا المطهرون كما قال:( وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون ) [ الشعراء:210 - 212] .
وهذا القول قول جيد ، وهو لا يخرج عن الأقوال التي قبله .
وقال الفراء:لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به .
وقال آخرون:( لا يمسه إلا المطهرون ) أي:من الجنابة والحدث . قالوا:ولفظ الآية خبر ومعناها الطلب ، قالوا:والمراد بالقرآن - هاهنا - المصحف ، كما روى مسلم ، عن ابن عمر:أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو ، مخافة أن يناله العدو . واحتجوا في ذلك بما رواه الإمام مالك في موطئه ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم:أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم:ألا يمس القرآن إلا طاهر . وروى أبو داود في المراسيل من حديث الزهري قال:قرأت في صحيفة عند أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم:أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"ولا يمس القرآن إلا طاهر ".
وهذه وجادة جيدة . قد قرأها الزهري وغيره ، ومثل هذا ينبغي الأخذ به . وقد أسنده الدارقطني عن عمرو بن حزم ، وعبد الله بن عمر ، وعثمان بن أبي العاص ، وفي إسناد كل منها نظر ، والله أعلم .