الفاء في قوله:{ فلنقصن عليهم} للتفريع والتّرتيب على قوله:{ فلنسألن} ،أي لنسألنّهم ثمّ نخبرهم بتفصيل ماأجمله جوابهم ،أي فلنقصّنّ عليهم تفاصيل أحوالهم ،أي فعِلْمُنا غَنِي عن جوابهم ولكن السّؤال لغرض آخر .
وقد دلّ على إرادة التّفصيل تنكيرُ علم في قوله:{ بعلم} أي علم عظيم ،فإنّ تنوين ( عِلم ) للتعظيم ،وكمالُ العلم إنّما يظهر في العلم بالأمور الكثيرة ،وزاد ذلك بياناً قولُه:{ وما كنا غائبين} الذي هو بمعنى: لا يعزب عن علمنا شيء يغيب عنّا ونغيب عنه .
والقَصّ: الاخبار ،يقال: قصّ عليه ،بمعنى أخبره ،وتقدّم في قوله تعالى:{ يقص الحقّ} في سورة الأنعام ( 57 ) .
وجملة:{ وما كنا غائبين} معطوف على{ فلنقصن عليهم بعلم} ،وهي في موقع التّذييل .
والغائب ضدّ الحاضر ،وهو هنا كناية عن الجاهل ،لأنّ الغيبة تستلزم الجهالة عرفاً ،أي الجهالة بأحوال المَغيب عنه ،فإنّها ولو بلغتْه بالأخبار لا تكون تامة عنده مثل المشاهد ،أي: وما كنّا جاهلين بشيء من أحوالهم ،لأنّنا مطّلعون عليهم ،وهذا النّفي للغيبة مثل إثبات المعيَّة في قوله تعالى:{ وهو معكم أينما كنتم}[ الحديد: 4] .
وإثباتُ سؤال الأمم هنا لا ينافي نفيه في قوله تعالى:{ ولا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون}[ القصص: 78] وقوله{ فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان}[ الرحمن: 39] لأنّ المسؤول عنه هنا هو التّبليغ والمنفيَّ في الآيتين الآخريين هو السّؤال لمعرفة تفاصيل ذنوبهم وهو الذي أريد هنا قوله:{ وما كنا غائبين} .