/م6
{ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ 7}
فإن قيل هذه الآيات تثبت السؤال العام يوم القيامة وهو يشمل العقائد والأعمال وهي حسنات وسيئات فما معنى قوله تعالى في سورة القصص{ ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون} ( القصص 78 ) وفي سورة الرحمن{ فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان} ( الرحمان:39 ) قلنا قد أجاب المفسرون عن ذلك بأجوبة أشرنا في تفسير آية الأنعام إلى بعضها وهو أن للقيامة مواقف متعددة يعبر عنها باليوم والسؤال والجواب والاعتذار يكون في بعضها دون بعض .والصواب أن نفي السؤال عن الذنب في آية الرحمن لا إشكال فيه لأن ما بعد الآية يفسرها بأن المراد لا يسأل أحد عن ذنبه لأجل أن يعرف المجرم ويمتاز من غيره إذ قال بعدها{ يعرف المجرمون بسيماهم} ( وهو استئناف بياني كأنه قيل لم لا يسألون وبم يعرف المجرمون منهم ويمتازون من المسلمين ؟ فقال:{ يعرف المجرمون بسماهم} ( ولا مندوحة عن حمل آية القصص على هذا المعنى وهو مروي عن ابن عباس كالأول ، وروي عنه أيضا أن المذنب لا يسأل عن ذنبه هل أذنبت أو هل فعلت كذا من الذنوب ؟ أي لأن الله تعالى أعلم منه بذنوبه وقد أحصاها عليه في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وهو يجد ما عمل حاضرا في كتابه متمثلا في نفسه ، معروضا لها فيما يشهد عليه من أعضائه وجوارحه وإنما يسأله لم عمل كذا أي بعد أن يعرف به ، وهو يتفق مع تفسيره هنا لقوله عز وجل:
{ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْم} قال:يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون .وأصل القص تتبع الأثر فيكون بالعمل كقوله تعالى حكاية عن أم موسى{ وقالت لأخته قصيه} ( القصص 11 ) وبالقول ومنه{ نحن نقص عليك أحسن القصص} ( يوسف 3 ) وهي الأخبار المتتبعة كما حققه الراغب فليس كل خبر قصصا .أي فلنقصن على الرسل وعلى أقوامهم الذين أرسلوا إليهم كل ما وقع من الفريقين قصصا بعلم منا محيط بكل ما كان منهم لا يعزب عنه مثقال ذرة ، أو عالمين بكل ما كان منهم لا يعزب عنه مثقال ذرة ، أو عالمين بكل ما كان منهم ، وما كتبه الكرام الكاتبون عنهم .{ وَمَا كُنَّا غَآئِبِين} عنهم في حال من الأحوال ولا وقت من الأوقات بل كنا معهم نسمع ما يقولون ونبصر ما يعملون ، ونحيط علما بما يسرون ويعلنون كما قال:{ وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا} ( النساء 107 ) فالسؤال لأجل البيان والإعلام لا لأجل الاستبانة والاستعلام وهذا القصص هو الذي يكون به الحساب ويتلوه الجزاء والآيات والأحاديث في بيانه كثيرة .
أما الآيات فتأتي في مواضعها وأما الأحاديث فمنها حديث ابن عمر المتفق عليه قال:قال النبي صلى الله عليه وسلم"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعته:فالإمام يسأل عن الناس والرجل يسأل عن أهله والمرأة تسأل عن بيت زوجها والعبد يسأل عن مال سيده "{[1118]} وورد بألفاظ أخرى .وفي معناه ما رواه الطبراني في الأوسط بسند صحيح عن أنس قال:قال رسول الله صلة الله عليه وسلم"كلكم راع وكلم مسؤول عن رعيته فأعدوا للمسائل جوابا "قالوا وما جوابها ؟ قال"أعمال البر "وفي معناه ما رواه من حديث عبد الله بن مسعود"إن الله سائل كل ذي رعية عما استرعاه أقام أمر الله فيهم أم ضيعه ؟ حتى إن الرجل ليسأل عن أهل بيته "وما رواه في الكبير عن المقدام:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول"لا يكون رجل على قوم إلا جاء يقدمهم يوم القيامة بين يديه راية يحملها وهم يتبعونه ، فيسأل عنهم ويسألون عنه "ومنها ما رواه في الأوسط من حديث أنس"أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة ينظر في صلاته فإن صلحت فقد أفلح وإن فسدت فقد خاب وخسر "وما رواه هو والبزار والحاكم من حديث أبي هريرة مرفوعا"ثلاث من كن فيه حاسبه الله حسابا يسيرا وأدخله الجنة برحمته قالوا وما هي ؟ قال تعطي من حرمك وتصل من قطعك وتعفو عمن ظلمك ".
وروى أحمد ومسلم والنسائي من حديث أبي هريرة مرفوعا"إن أول الناس يقضي يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها ؟ قال قاتلت في سبيلك حتى استشهدت .قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل:ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها ، قال فما عملت فيها ؟ قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن .قال كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل .ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما علمت فيها ؟ قال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك ، قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل:ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار "{[1119]} .
وروى الترمذي من حديث أبي برزة الأسلمي مرفوعا وقال حسن صحيح"لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيما عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه "{[1120]} وروي نحوه عن ابن مسعود بلفظ"لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس:عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وماذا عمل فيما علم "وقال هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من حديث حسين بن قيس وحسين يضعف في الحديث اه وهذه الرواية تذكر كثيرا في بعض خطب الجمعة .وذكر السفاريني في شرح عقيدته أن البزار والطبراني روياه به من حديث معاذ بسند صحيح بلفظ"لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال "إلخ .
وروى أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم من حديث شداد بن أوس مرفوعا"الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني "{[1121]} علم عليه السيوطي في الجامع الصغير بالصحة وقال الترمذي بعد ذكره وآخره عنده"وتمنى على الله "هذا حديث حسن ومعنى"دان نفسه "حاسب نفسه في الدنيا قل أن يحاسب يوم القيامة ، ويروى عن عمر بن الخطاب قال:حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وتزينوا للعرض الأكبر ، وإنما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا اه .