هذه الجملة مبيّنة لنفي الاستواء الذي في جملة{ لا يستون عند الله}[ التوبة: 19] ومفصّلة للجهاد الذي في قوله:{ كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله}[ التوبة: 19] بأنّه الجهاد بالأموال والأنفس ،وإدماج لبيان مزية المهاجرين من المجاهدين .
و ( الذين هاجروا ) هم المؤمنون من أهل مكة وما حولها ،الذين هاجروا منها إلى المدينة لما أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إليها بعد أن أسلموا ،وذلك قبل فتح مكة .
والمهاجَرة: ترك الموطن والحلولُ ببلد آخر ،وهي مشتقّة من الهجر وهو الترك ،واشتقّت لها صيغة المفاعلة لاختصاصها بالهجر القوي وهو هجر الوطن ،والمراد بها في عرف الشرع هجرة خاصّة: وهي الهجرة من مكة إلى المدينة ،فلا تشمل هجرةَ مَن هاجر من المسلمين إلى بلاد الحبشة لأنّها لم تكن على نية الاستيطان بل كانت هجرة مؤقته ،وتقدّم ذكر الهجرة في آخر سورة الأنفال .
والمفضل عليه محذوف لظهوره: أي أعظم درجة عند الله من أصحاب السقاية والعمارة الذين آمنوا ولم يهاجروا ولم يجاهدوا الجهاد الكثير الذي جاهده المسلمون أيام بقاء أولئك في الكفر ،والمقصود تفضيل خصالهم .
والدرجة تقدّمت عند قوله تعالى:{ وللرجال عليهن درجة} في سورة البقرة ( 228 ) .وقوله:{ لهم درجات عند ربّهم} في أوائل الأنفال ( 4 ) .وهي في كلّ ذلك مستعارة لرفع المقدار .و{ عند الله} إشارة إلى أنّ رفعة مقدارهم رفعة رضى من الله وتفضيل بالتشريف ،لأنّ أصل ( عند ) أنّها ظرف للقرب .
وجملة{ وأولئك هم الفائزون} معطوفة على{ أعظم درجة} أي: أعظم وهم أصحاب الفوز .وتعريف المسند باللام مفيد للقصر ،وهو قصر ادّعائي للمبالغة في عظم فوزهم حتّى إن فوز غيرهم بالنسبة إلى فوزهم يُعَدّ كالمعدوم .
والإتيان باسم الإشارة للتنبيه على أنّهم استحقوا الفوز لأجل تلك الأوصاف التي ميزّتهم: وهي الإيمان والهجرة والجهاد بالأموال والأنفس .