/م19
ولما كان نفي استواء الفريقين ونفي اهتداء الظالمين إلى الحكم الصحيح في موضوع المفاضلة بينهماوإن اقتضيا بمعونة السياق تفضيل فريق المؤمنين المجاهدين على فريق السدنة والسقائينلا يعرف منهما كنه هذا الفضل ولا درجة أهله عند الله تعالى ، وكان ذلك مما يستشرف له التالي والسامع ، بينه تبارك اسمه بيانا مستأنفا يتضمن الرد على المؤمنين الذين تنازعوا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم:أي الأعمال بعد الإسلام أفضل ؟ فقال:{ الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله} هذه العندية حكمية شرعية ومكانية جزائية ، أي أعظم درجة وأعلى مقاما في الفضل والكمال في حكم الله ، وأكبر مثوبة في جوار الله ، من أهل سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ، الذين رأى بعض المسلمين أن عملهم أفضل القربات بعد هداية الإسلام ، ومن غيرهم من أهل البر والصلاح ، الذين لم ينالوا فضل الهجرة والجهاد بنوعيه المالي والنفسي ، يدل على هذا العموم في التفضيل عدم ذكر المفضل عليه .
( فإن قيل ):إن هذا التفسير يدل على أن ما يفتخر به المشركون على المؤمنين من السقاية والعمارة له درجة عند الله تعالى ، ولكن درجة الإيمان مع الهجرة والجهاد أعظم- وقد سبق في الآيتين اللتين قبل هذه الآية خلاف ذلك-( قلنا ):لا مراء في كون هذين العملين من أعمال البر التي يكون لصاحبها درجة عند الله تعالى إذا فعلا كما يرضى الله ، ولذلك أقرهما الإسلام دون غيرهما من وظائف الجاهلية ، ولكن الشرك بالله تعالى يحبطهما ويحبط غيرهما من أعمال البر التي كانوا يفعلونها كما تقدم .
{ وأولئك هم الفائزون} أي وأولئك المؤمنون المهاجرون المجاهدون هم الفائزون بمثوبة الله الفضلى ، وكرامته العليا المبينة في الآية التالية ، دون من لم يكن مستجمعا لهذه الصفات الثلاث ، وإن سقى الحاج وعمر المسجد الحرام ، فثواب المؤمن على هذين العملين دون ثوابه على الهجرة والجهاد المذكورين ، ولا ثواب للكافر عليهما في الآخرة ، فإن الكفر بالله ورسله وباليوم الآخر يحبط أمثال هذه الأعمال البدنية ، وإن فرض فيها حسن النية ، وقلما يفعلها الكافر إلا لأجل الرياء والسمعة .