فمعنى:{ أيحسب أن لن يقدر عليه}[ البلد: 5]: أيحسب أن لن نقدر عليه بعد اضمحلال جسده فنعيده خلقاً آخر ،فهو في طريقة القسم والمُقسم عليه بقوله تعالى:{ لا أقسم بيوم القيامة} إلى قوله:{ أيحسب الإنسان أَلَّن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه}[ القيامة: 1 4] .أي كما خلقناه أول مرة في نَصَب من أطوار الحياة كذلك نخلقه خلقاً ثانياً في كَبدٍ من العذاب في الآخرة لكفره .
وبذلك يظهر موقع إدماج قوله{ في كبد} لأن المقصود التنظير بين الخلْقين الأول والثاني في أنهما من مقدور الله تعالى .
والظرفية من قوله:{ في كبد} مستعملة مجازاً في الملازمة فكأنه مظروف في الكَبَد ،ونظيره قوله:{ بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم}[ سبأ: 8 ،9] الآية .فالمراد: عذاب الدنيا ،وهو مشقة اضطراب البال في التكذيب واختلاققِ المعاذير والحيرة من الأمر على أحد التفسيرين لتلك الآية .
فالمعنى: أن الكَبَد ملازم للمشرك من حين اتصافه بالإِشراك وهو حين تقوُّم العقل وكماللِ الإدراك .
ومن الجائز أن يجعل قوله:{ لقد خلقنا الإنسان في كبد} من قبيل القلب المقبول لتضمنه اعتباراً لطيفاً وهو شدة تلبّس الكَبد بالإِنسان المشرك حتى كأنه خُلِق في الكَبَد .
والمعنى: لقد خلقنا الكَبَد في الإنسان الكافر .
وللمفسرين تأويلات أخرى في معنى الآية لا يساعد عليها السياق .
هذه الجملة بدل اشتمال من جملة:{ لقد خلقنا الإنسان في كبد}[ البلد: 4] .
والاستفهام مستعمل في التوبيخ والتخْطئة .
وضمير{ أيَحْسِبُ} راجع إلى الإِنسان لا محالة ،ومن آثار الحيرة في معنى{ لقد خلقنا الإنسان في كبد}[ البلد: 4] أن بعض المفسرين جعل ضمير{ أَيَحْسِبُ} راجعاً إلى بعض مما يعمه لفظ الإِنسان مثل أبي الأشد الجمحي ،وهو ضغث على إبّالة .