قلت:اعتقد جماعة أن المراد بالآية:سلب فعل الرسول عنه ، وإضافته إلى الرب تعالى ، وجعلوا ذلك أصلا في الجبر ، وإبطال نسبة الأفعال إلى العباد ، وتحقيق نسبتها إلى الرب وحده ، وهذا أغلظ منهم في فهم القرآن ، فلو صح ذلك لوجب طرده في جميع الأعمال ، فيقال:ما صليت إذ صليت ، وما صمت إذ صمت ، وما ضحيت إذ ضحيت ، ولا فعلت كل فعل إذ فعلته ، ولكن الله فعل ذلك ، فإن طردوا ذلك لزمهم في جميع أفعال العباد طاعاتهم ومعاصيهم ، إذ لا فرق ، فإن خصوه بالرسول وحده وأفعاله جميعها ، أو رميه وحده ، تناقضوا ، فهؤلاء لم يوفقوا لفهم ما أريد بالآية .
وبعد:فهذه الآية نزلت في شأن رميه صلى الله عليه وسلم المشركين يوم بدر بقبضة من الحصباء فلم تدع وجه أحد منهم إلا أصابته ، ومعلوم أن تلك الرمية من البشر لا تبلغ هذا المبلغ ، فكان منه صلى الله عليه وسلم مبدأ الرمي وهو الحذف ومن الله سبحانه وتعالى نيابة ، وهو الإيصال فأضاف إليه رمى الحذف الذي هو مبدؤه ، ونفى عنه رمي الإيصال الذي هو نهايته .
ونظير هذا قوله في الآية نفسها{ فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم} ثم قال:{ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} فأخبره أنه هو وحده هو الذي تفرد بقتلهم ، ولم يكن ذلك بكم أنتم ، كما تفرد بإيصال الحصباء إلى أعينهم ، ولم يكن ذلك من رسوله صلى الله عليه وسلم .
ولكن وجه الإشارة بالآية:أنه سبحانه أقام أسبابا ظاهرة لدفع المشركين ، وتولى دفعهم وإهلاكهم بأسباب باطنة غير الأسباب التي تظهر للناس ، فكان ما حصل من الهزيمة والقتل والنصرة مضافا إليه ، وبه ، وهو خير الناصرين .