وبعد ذلك بين الله سبحانه وتعالى أن النصر بيد الله ، وأنه سبحانه هو الذي يهزم المشركين ، وهو الذي يرميهم فقال تعالى:
{ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .
وفق الله المؤمنين في هذه الغزوة ، كانوا قلة فأراهم المشركين كثيرين ، ورأوا المشركين قليلا وهم كثيرون ، وسهل الله السبل للمؤمنين فألقى في قلوبهم الرعب وأمدكم بالملائكة ، فملأكم روحانية وجعلهم اله بشرى لكم ، واطمأنت قلوبكم ، وغشاكم النعاس ، وأنزل عليهم الماء فثبت به الأقدام وطهر رجز الشيطان .
أمدهم الله تعالى بهذا فكان النصر ، وقد قال تعالى:{ كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله} ( البقرة:249 ) فكان النصر من عند الله وكما قال تعالى:{ ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة ) ( آل عمران:123 ) ، ولما أصابهم الغرور ، وحرمهم الله من نصره ابتداء ولوا الأدبار ، وقال الله تعالى في ذلك:{ لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما ربحت ثم وليتم مدبرين} ( التوبة:25 ) لهذا التوفيق وذلك التأييد الذي تكاثر في غزوة بدر نسب الله تعالى النصر إليه سبحانه ، والقتل إليه والرمي إليه ، فقال تعالى:{ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ} ، نفى سبحانه أنهم قتلوهم ، لأنهم لم يكونوا المسلطين عليهم من أنفسهم إنما سلطهم الله تعالى عليهم ، وهو الذي أرداهم ، و ( الفاء ) مترتبة على ما قبلها ما دام الله تعالى هو الذي هداهم وحرضهم ، وأيدهم بنصره ، وبملائكته ، ثم قال:{ ولكن الله قتلهم} إما أن نقول إن القتل حق لله تعالى ؛ لأنه هو الفاعل المختار ، وإن نظرنا إلى الأسباب العادية نقول:إنه من قبيل إطلاق المسبب وإرادة السبب ، فلأن الله تعالى هو السبب في القتل أسند القتل إليه .
وكذلك قوله تعالى:{ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى} .
قال بعض المفسرين على أن المراد من الرمي هو الرمي بالنبال المريشة التي تصيب المقاتل ، ويكون من قبيل إطلاق المسبب وإرادة السبب ، لأن الله تعالى هو السبب إذ هو الموفق ، وهو المؤيد ، وهو الممد بالملائكة وهو سبحانه وتعالى ملقي الرعب في قلوب المشركين .
وقال بعض المفسرين:إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما التقى الجمعان قبض قبضة من التراب ، ورمى بها المشركين ، وقال:( شاهت الوجوه ) ( 1 ){[1158]} ، فاضطربت الأبصار ، وزاغت القلوب .
فقوله تعالى:{ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى}أي فلست أنت الذي رميت إنما الله تعالى هو الذي رمى ؛ ولذلك أفرد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالخطاب لأنه هو الذي رمى .
وإني أميل إلى التفسير الأول لأنه هو الأوضح ، ونحن نميل إلى الواضح من الآراء .
وإن الله سبحانه وتعالى فعل ذلك ، ليؤيد المؤمنين بنصره ،{ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً} أي ليعامل المؤمنين معاملة المختبر الذي يبليهم بلاء حسنا ، بلاء نتيجته حسنة دائما ، وذلك بأن يكلفهم ، وأن يتخذوا هم الأسباب للنصر المؤزر ، والعزة والرفعة ، وأن تكون كلمة الله هي العليا ، وهو العزيز الحكيم ، ولقد قال سبحانه وتعالى:{ إن الله سميع عليم} أي إن الله عالم علم من يسمع ، ومحيط بكل شيء علما .