/م15
17 –{فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم ....}
أي: يا أيها الذين آمنوا ،لا توالوا الكفار ظهوركم أبدا ؛فأنتم أولى منهم بالثبات والصبر ثم بنصر الله تعالى ،انظروا إلى ما أوتيتم من نصر عليهم على قلة عددكم وعدتكم وكثرتهم واستعدادهم ،ولم يكن ذلك إلا بتأييد من الله تعالى لكم وربطه على قلوبكم وتثبيت أقدامكم ،فلم تقتلوهم ذلك القتل الذي أفنى كثيرا منهم بقوتكم وعدتكم ولكن قتلهم بأيديكم ،بما كان من تثبيت قلوبكم بمخالطة الملائكة وملابستها لأرواحكم ،وبإلقائه الرعب في قلوبهم وهذا بعينه هو ما جاء في قوله تعالى:{قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخذهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين} . ( التوبة: 14 ) .
ثم انتقل من خطاب المؤمنين الذين قتلوا أولئك الصناديد بسيوفهم إلى خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم ،وهو قائدهم الأعظم فقال:
{وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} .أي: وما رميت أيها الرسول أحدا من المشركين في الوقت الذي رميت فيه القبضة من التراب بإلقائها في الهواء فأصبت وجوههم ،ما فعلته لا يكون له من التأثير مثل ما حدث ،ولكن الله رمى وجوههم كلهم بذلك التراب الذي ألقيته في الهواء على قلته أو بعد تكثيره بمحض قدرته .
فقد روى:"أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى المشركين يومئذ بقبضة من التراب وقال: شاهت الوجوه ثلاثا ،فأعقبت رميته هزيمتهم "xxi .
وروى على بن أبي طلحة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال في استغاثته يوم بدر:"يا رب ،إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا "،قال له جبريل: خذ قبضة من التراب فارم بها وجوههم ،ففعل فما من أحد من المشركين إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه من تراب تلك القبضة فولوا مدبرينxxii .
{وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا} .أي: فعل الله ما ذكر لإقامته حجته وتأييد رسوله ،وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا بالنصر والغنيمة وحسن السمعة .
{إن الله سميع عليم} .أي: إنه تعالى{سميع} لما كان من استغاثة الرسول والمؤمنين ربهم ودعائهم إياه وحده ولكل نداء وكلام ،{عليم} بنياتهم الباعثة عليه والعواقب التي تترتب عليه .