{ قال يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ( 32 ) قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين ( 33 ) ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون ( 34 )}
قال الراغب:الجدال المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة ، وأصله من جدلت الحبل إذا أحكمت فتله ومنه الجديل [ أي الحبل المفتول] وجدلت البناء أحكمته ، ودرع مجدول والأجدل الصقر المحكم البنية ، والمجدل [ كمنبر] القصر المحكم البناء ، ومنه الجدال فكأن المتجادلين يفتل كل واحد الآخر على رأيه .وقيل الأصل في الجدال الصراع وإسقاط الإنسان صاحبه على الجدالة وهي [ بالفتح] الأرض الصلبة اه وقال الفيومي في المصباح المنير:جدل الرجل جدلا فهو جدل من باب تعب إذا اشتدت خصومته ، وجادل مجادلة إذا خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب ، هذا أصله ، ثم استعمل في لسان حملة الشرع في مقابلة الأدلة لظهور أرجحها ، وهو محمود إن كان للوقوف على الحق وإلا فمذموم اه .وقد ورد عدة أحاديث وآثار في ذم الجدل والنهي عنه منها ( ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ){[1755]} رواه أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث أبي أمامة مرفوعا .
{ قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا} أي قد خاصمتنا وحاججتنا فأكثرت جدالنا ، واستقصيت فيه فلم تدع لنا حجة إلا دحضتها حتى مللنا وسئمنا ولم يبق عندنا شيء نقوله- يدل على هذا قوله:{ قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا} [ نوح:5 ، 6] الخ وقوله لهم في التعبير عن هذه الحالة من سورة يونس{ يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله} [ يونس:71] الخ{ فأتنا بما تعدنا} من عذاب الله الدنيوي الذي تخافه علينا ، الأقرب أن يكون المراد به قوله:{ إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم} [ هود:26] ويجوز أن يكون غيره كما تقدم{ إن كنت من الصادقين} في دعواك أن الله يعاقبنا على عصيانه في الدنيا قبل الآخرة .
/خ49