/م61
/م64
{ فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ} أي فلما جاء أمرنا بإنجاز وعدنا بعذابهم نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة خاصة منها ، ونجيناهم من خزي ذلك اليوم أي ذله ونكاله باستئصال القوم من الوجود ، وما يتبعه من سوء الذكر ولعنة الأبعاد من رحمة الله تعالى ، وأصل التعبير نجيناهم برحمة منا من خزي يومئذ ففصل بين"من "التي هي صفة الرحمة ، ومن الموصلة للعذاب كما تقدم في قصة هود بدون إعادة فعل التنجية الذي صرح به هناك ، وقدر هنا استغناء عن ذكره بقرب مثله .
فهذه الآية كالآية 57 في قصة هود ومعناهما واحد ، إلا أن هذه جاءت بالفاء [ فلما] وتلك بالواو وهو الأصل في مثل هذا العطف ، وإنما كانت الفاء هي المناسبة لما هنا لأن ما قبلها جاء بالفاءات المتعاقبة الواقعة في مواقعها من أمر الإنذار فالوعيد على المخالفة فالمخالفة فتحديد موعد العذاب بثلاثة أيام فالإخبار بإنجازه ووقوعه-فما كان المناسب في هذا إلا أن يكون بالفاء تعقيبا على ما قبله كما قال في آخر سورة الشمس{ فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها} [ الشمس:13 ، 14] وإنما بينت من نكت البلاغة لأنني لم أره في التفاسير التي تعنى بها .
فليتأمل القارئ هذه الدقة الغريبة في اختلاف التعبير عن المعنى الواحد في الموضوع الواحد والفروق الدقيقة في العطف ، فإنها لا توجد في كلام أحد من بلغاء البشر البتة ، وليعذر الذين يفهمونها إذا جعلوا بلاغة القرآن هي التي أعجزت العرب والإنس والجن عن الإتيان بسورة مثله وإن كان إعجازه العلمي من وجوهه الكثيرة أعلى{ إن ربك هو القوي العزيز} إن ربك أيها الرسول الذي فعل هذا قادر على فعل مثله بقومك إذا أصروا على الجحود ، فإنه هو القوي المقتدر الذي لا يعجزه إنجاز وعده ، العزيز الغالب على أمره .
قرأ الجمهور [ يومئذ] بجر يوم بالإضافة ، وقرأه نافع والكسائي بالفتح وهما لغتان ، ومثله في سورة المعارج{ لو يفتدي من عذاب يومئذ} .