{ وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم} القتال في سبيل الله هو القتال لإعلاء كلمته ، وتأمين دينه ونشر دعوته ، والدفاع عن حزبه كي لا يغلبوا على حقهم ، ولا يصدوا عن إظهار أمرهم ، فهو أعم من القتال لأجل الدين ، لأنه يشمل مع الدفاع عن الدين وحماية دعوته الدفاع عن الحوزة إذا هم الطامع المهاجر باغتصاب بلادنا والتمتع بخيرات أرضنا ، أو أراد العدو الباغي إذلالنا ، والعدوان على استقلالنا ، ولو لم يكن ذلك لأجل فتنتنا في ديننا ، فهذا الأمر مطلق كأنه أمر لنا بأن نتحلى بحلية الشجاعة ، ونتسربل بسرابيل القوة والعزة ، لتكون حقوقنا محفوظة ، وحرمتنا مصونة ، لا نؤخذ من جانب ديننا ، ولا نغتال من جهة دنيانا ، بل نبقى أعزاء الجانبين ، جديرين بسعادة الدارين ، ألا ترى أن من ساق الله لنا العبرة بحالهم ، وذكرنا بسنته في موتهم وحياتهم ، لم يذكر أنهم قوتلوا وقتلوا لأجل الدين ، فالقتال لحماية الحقيقة كالقتال لحماية الحق:كله جهاد في سبيل الله ، فتفسير ( الجلال ) سبيل الله بإعلاء دينه تقييد لمطلق وتخصيص لقول عام من غير دليل ، وقد اتفق الفقهاء على أن العدو إذا دخل دار الإسلام ، يكون قتاله فرض عين .
ذكرنا الله تعالى بعد هذا الأمر بأنه سميع عليم لينبهنا على مراقبته فيما عسى أن نعتذر به عن أنفسنا في تقصيرها عن امتثال هذا الأمر في وقته ، وأخذ الأهبة له قبل الاضطرار إليه ، أمرنا أن نعلم أنه سميع لأقوال الجبناء في اعتذارهم عن أنفسهم:ماذا نعمل ؟ ما في اليد حيلة ، ليس لها من دون الله كاشفة ، ليس لنا من الأمر شيء .لو كان لنا من الأمر شيء ما قعدنا ههنا .فهذه الألفاظ في هذا المقام منفاخ الجبن ، وعلل الخوف والحزن ، فهي عند أهلها تعلات وأعذار ، وعند الله تعالى ذنوب وأوزار ، وما كان منها حقا في نفسه فهو من الحق الذي أريد به الباطلوأن نعلم أنه عليهم بما يأتيه مرضى القلوب وضعفاء الإيمان من الحيل والمراوغة ، والفرار من الاستعداد والمدافعة ، فإذا علمنا هذا وحاسبنا به أنفسنا ، عرفنا أن كلا من المتعذر بلسانه ، والمتعلل بفعاله ، مخادع لربه ولنفسه وقومه .
وقال الأستاذ الإمام بعد نحو ما تقدم:وكثير من الناس يهزأ بنفسه وهو لا يدري إذ يصدق ما يعتاده من التوهم ! وهذه شنشنة المخذولين الذين ضربت عليهم الذلة وخيم عليهم الشقاء ، تعمل فيهم هذه الوساوس ما لا تعمل الحقائق .وقد أنذرنا الله تعالى أن نكون مثلهم بتذكيرنا بأنه سميع عليم ، لا يخادع ولا يخفى عليه شيء .ونقول إن هذا التذكير كان بالأمر بالعلم لا بمجرد القول أو التسليم ، فمن علم علما صحيحا أن الله سميع لما يقول عليم بما يفعل ، حاسب نفسه وناقشها ، ومن حاسب نفسه وناقشها تجلى له كل آن من تقصيرها ما يحمله على التشمير لتدارك ما فات ، والاستعداد لما هو آت ، فمن تراه مشمرا فاعلم بأنه عالم ، ومن تراه مقصرا فاعلم بأنه مغرور آثم .