ثم قال تعالى في أولئك الفاسقين من أهل الكتاب:( لن يضروكم إلا أذى ) أي إنهم لا يقدرون على إيقاع الضرر بكم ولكن يؤذونكم بنحو الكلام القبيح كالخوض في النبي صلى الله عليه وسلم ، أو إلا ضررا خفيفا ليس له كبير تأثير:( وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ) تولية الأدبار كناية عن الانهزام لأن المنهزم يحول ظهره إلى جهة مقاتله ويستدبره في هربه منه ، فيكون دبره أي قفاه إلى جهة وجه من انهزم هو منه .( ثم لا ينصرون ) عليكم بعد ذلك ، أو ثم إنهم لا ينصرون عليكم قط ماداموا على فسقهم ودمتم على خيريتكم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله .وعلى هذا تكون الجملة إخبارية مستقلة لا تدخل في جواب الشرط ولذلك وردت بنون الرفع .وفي هذه الآية ثلاث بشارات من الأخبار بالغيب وكلها تحققت وصدق الله وعده .
وقد أورد الرازي على الوعد بأنهم لا ينصرون أنه يصدق في اليهود دون النصارى ، أي إن اليهود هم الذين لم ينصروا على المسلمين بعد ما كان من انكسارهم في الحجاز ، وأما النصارى فقد كانت الحرب بينهم وبين المسلمين بعد الصدر الأول سجالا ثم صاروا هم المنصورين .وأجاب الرازي عن ذلك بأن الآية خاصة باليهود نعم وما قلناه يصلح جوابا مطلقا ، ويؤيده تقييده تعالى نصر المؤمنين بنصرهم إياه:( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) [ محمد:7] وبالقيام بما أمر به ومنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كما ورد في سورة الحج وذكرناه في تفسير الآية السابقة .ومثله وصف المؤمنين المجاهدين في سورة التوبة بقوله:( الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله ) [ التوبة:112] وقد شرحنا هذا المعنى غير مرة وسنفصله- إن شاء الله- في مقدمة التفسير تفصيلا .