ولما كانت مخالفة الأكثر قاصمة ،خفف سبحانه عن أوليائه بقوله:
|111| ( لن يضروكم إلا أذى وان يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون111 ) .
( لن يضروكم إلا أذى ) أي بألسنتهم لا يبالي به من طعن وتهديد ( وان يقاتلوكم ) / أي يوما من الأيام ( يولوكم الأدبار ) يعني منهزمين مخذولين ( ثم لا ينصرون ) يعني لا يكون لهم النصر عليكم ،بل تنصرون عليهم .وقد صدق الله ومن أصدق من الله قيلا ؟ لم يقاتلوا في موطن إلا كانوا كذلك .قال ابن كثير:فإنهم يوم خيبر أذلهم الله ،وأرغم أنوفهم ،وكذلك من قبلهم من يهود المدينة:بني قينقاع ،وبني النضير ،وبني قريظة ،كلهم أذلهم الله .وكذلك النصارى بالشام كسرهم الصحابة في غير ما موطن وسلبوهم ملك الشام أبد الآبدين ودهر الداهرين .ولا تزال عصابة الإسلام قائمة بالشام حتى ينزل عيسى ابن مريم ،وهم كذلك ،ويحكم بملة الإسلام ،وشرع محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ،فيكسر الصليب ،ويقتل الخنزير ،ويضع الجزية ،ولا يقبل إلا الإسلام –ا ه .
لطائف:
قال الزمخشري:
فان قلت:هلا جزم المعطوف في قوله ( ثم لا ينصرون ) ؟
قلت:عدل به عن حكم الجزاء إلى حكم الإخبار ابتداء ،كأنه قيل ثم أخبركم أنهم لا ينصرون .
فان قلت:فأي فرق بين رفعه وجزمه في المعنى ؟
قلت:لو جزم لكان نفي النصر مقيدا بمقاتلتهم كتولية الأدبار ،وحين رفع كان نفي النصر وعدا مطلقا كأنه قال:ثم شانهم وقصتهم التي أخبركم عنها وأبشركم بها بعد التولية أنهم مخذولون منتف عنهم النصر والقوة لا ينهضون بعدها بجناح ،ولا يستقيم لهم أمر ،وكان كما أخبر من حال بني قريظة والنضير وبني قينقاع ويهود خيبر .
فان قلت:فما الذي عطف عليه هذا الخبر ؟
قلت:جملة الشرط والجزاء ..كأنه قيل:أخبركم أنهم إن يقاتلوكم ينهزموا .ثم أخبركم أنهم لا ينصرون .
فان قلت:فما معنى التراخي في ( ثم ) ؟
/ قلت:التراخي في المرتبة ،لأن الإخبار بتسليط الخذلان عليهم أعظم من الإخبار بتوليتهم الأدبار .
قال الناصر بن المنير:وهذا من الترقي في الوعد عما هو أدنى إلى ما هو أعلى ،لأنهم وعدوا بتولية عدوهم الأدبار عند المقابلة ،ثم ترقى الوعد إلى ما هو أتم في النجاح من أن هؤلاء لا ينصرون مطلقا ،ويزيد هذا الترقي بدخول ( ثم ) دون ( الواو ) ،فإنها تستعار هاهنا للتراخي في الرتبة لا في الوجود ،كأنه قال:ثم هاهنا ما هو أعلى في الامتنان ،وأسمح في رتب الإحسان ،وهو إن هؤلاء قوم لا ينصرون ألبتة –والله أعلم- .