{ لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما114ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا115} .
أقول:تقدم في بيان سبب نزول الآيات التي قبل هذه أن ( طعمة ) الخائن لم يكد يفتضح أمره حتى فر إلى المشركين وأظهر الشرك والطعن في النبي صلى الله عليه وسلم كأنه كان قد أسلم ليتخذ من النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أعوانا ونصراء يعينونه على اتباع الهوى والخيانة بالعصبية على المخالفين ، وما علم أن الإسلام قد جاء ليبطل الخيانة والضلال ويمحق الأباطيل ويؤيد الحق والفضيلة ، أفلا يسمع هذا المبطلون من أهل أوروبا الذين لا يزالون يقلدون قسوس قرونهم المظلمة مثيري الحروب الصليبية في زعمهم أن المسلمين كانوا في العصر الأول جمعية لصوص وقطاع طريق ! ! ألا يدلوننا على حكومة من أرقى حكوماتهم أوصلها دينها ومدنيتها وعلومها وحضارتها إلى الرضا بمساواة أبنائها وأوليائها بأعدى أعدائها ، ويشددون في ذلك مثلما شددت الآيات التي تقدم تفسيرها في قصة ( طعمة ) مع اليهودي ؟ ؟ كيف ونحن نراهم في بلادنا لا يرضون بالمساواة بيننا وبينهم ، وأن الرجل من أشرار جناتهم وتحوت صعاليكهم قد يقتل الواحد من خيار الناس في مصر فيحاكمه قنصل دولته كما يريد ، ويحكم عليه بأن يغيب عن الأرض التي لوثها بدم الجناية زمنا طويلا أو قصيرا ثم يعود إن شاء ؟ .
فعلى هذا الذي تقدم يكون قوله تعالى:{ لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} وما بعده نزل في سياق تلك القصة وأن ضمير{ نجواهم} يعود على أولئك المختانين لأنفسهم الذين يبيتون في ليلهم من الأقوال ما لا يرضي ربهم ، وهذا هو المختار .والنجوى مصدر أو اسم مصدر معناه المسارة بالحديث ، قيل أصله من النجوة وهي المكان المرتفع عما حوله بحيث ينفرد من فيه عمن دونه ، وقيل من النجاة كأنه نجا بسره ممن يحذر اطلاعهم عليه ، ويوصف به فيقال قوم نجوى ورجلان نجوى ومنه قوله تعالى في سورة الإسراء:{ وإذ هم نجوى} [ الإسراء:47] ومن استعماله بالمعنى المصدري في القرآن قوله تعالى:{ ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} [ المجادلة:7] وقوله:{ وأسروا النجوى} [ طه:62] وأجاز المفسرون هنا أن تكون النجوى بمعنى المتناجين أي المتسارين ويكون المعنى:لا خير في كثير من المتناجين الذي يسرون الحديث من جماعة ( طعمة ) الذين أرادوا مساعدته على اتهام اليهودي وبهته ، ومن سائر الناس إلا من أمر منهم بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ، وهذه الثلاثة هي مجامع الخيرات التي يحتاج فيها إلى النجوى ، فيكون الاستثناء متصلا على ظاهر قواعد النحو .وأما على القول بأن النجوى هنا بمعنى التناجي فالظاهر أن الاستثناء منقطع أي لا خير في كثير من تناجي هؤلاء الناس ولكن من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس فذلك هو الخير الذي يكون في نجواه الخيروإلا فإنهم يقدرون للإعراب مضافا محذوفا والتقدير لا خير في كثير من نجواهم إلا نجوى من أمر بصدقة أو معروف الخ وقد تقدم تحرير مثل هذه المسألة في تفسير:{ ولكن البر من آمن بالله} [ البقرة:177] من سورة البقرة ورأي الأستاذ الإمام فيه ( فليراجع في الجزء الثاني من هذا التفسير ) .
وقال الأستاذ هنا:أن الكلام في الذين يختانون أنفسهم ويستخفون من الناس ولا يستخفون من الله ، ومعناه أن الغالب عليهم الشر فهو الذي يجري في نجواهم لأنه أكبر همهموذكر مسألة الاستثناء ثم قالإن النكتة في ذكر الكثير هنا هو أن من النجوى ما يكون في الشؤون الخاصة كالزراعة والتجارة مثلا فلا توصف بالشر ، ولا هي مرادة من الخير ، وإنما المراد بالنجوى الكثيرة المنفي الخير عنها النجوى في شؤون الناس ولذلك استثنى الأمور الثلاثة التي هي مجامع الخير للناس اه .
أقول:إذا كان الكلام هنا في أولئك الخائنين فنفي الخير عن الكثير من نجواهم ظاهر ، ولكننا نرى الكتاب الحكيم يجعل النجوى مظنة الإثم والشر مطلقا ولذلك خاطب المؤمنين بقوله في سورة المجادلة:{ يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ، وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون ، إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون} [ المجادلة:10 ،9] وهذا بعد أن بين أن بعض الناس نهوا عن النجوى ثم هم يعودون إليها ، وهم اليهود والمنافقون .
والحكمة في كون النجوى مظنة الشر في الأكثر هي أن العادة الغالبة وسنة الفطرة المتبعة هي استحباب إظهار الخير والتحدث به في الملأ ، وإن الشر والإثم هو الذي يخفى ، ويذكر في السر والنجوى ، وفي الحديث الشريف:( الإثم ما حاك في النفس وكرهت أن يطلع عليه الناس ){[593]} وقلما يكتم الناس شيئا من الخير المطلق المتفق على كونه خيرا ، وإنما الغالب في كتمان بعض الخير وإسراره وجعل الحديث فيه نجوى أن يكون ذلك الخير خيرا للمتناجين وشرا لغيرهم أو مؤذيا له ولو من بعض الوجوه .كأسرار الحرب والسياسة التي يتوخى بها أهلها نفع أنفسهم وضرر غيرهم فيكتمون أخبارها ويجعلونها نجوى بينهم لئلا تصل إلى خصمهم وعدوهم الذي يضره ما ينفعهم ، وينفعه ما يحبط عملهم ويبطل كيدهم .ويشبه ذلك ما يكون بين التجار وغيرهم من طلاب الكسب من التناجي فيما يخافون أن يطلع عليه غيرهم فيسبقهم إليه أو يشاركهم فيه ، فإن ما يريدون أن يفوته من الكسب خير لهم وشر له .
وهنالك أمور من الخير تتوقف خيريتها أو كمال الخير فيها وخلوه من الشوائب على كتمانه وجعل التعاون عليه سرا والحديث فيه نجوى ، وهو ما ذكره الله تعالى من هذه الأمور الثلاثة .فما استثناها الله تعالى من النجوى التي لا خير في أكثرها إلا لأنها يحتاج فيها إلى النجوى .وإني لم أفطن لهذا إلا عند كتابة تفسير الآية وليس عندي فيه نقل ، وقد عجبت للأستاذ الإمام كيف ذهل عنه فلم يبينه ما لم أعجب لغيره ، فإنه أبو عذرة هذه الدقائق في علم الإنسان والقرآن ، على أنني كنت أود لو كان بين يدي جميع كتب التفسير المعتبرة لأراجع تفسير الآية فيها{[594]} .
أما الصدقة فهي من الخيرات التي لا مرية فيها وإن إظهارها قد يؤذي المتصدق عليه ويضع من كرامته ، وقد يكون الجهر بالأمر بها والحث عليها أشد إيذاء وإهانة له من إيتائه إياها جهرا ، ولو كان ذلك مع الإخلاص وابتغاء مرضاة الله تعالى ، ولهذا قال عز وجل:{ إن تبدوا الصدقات فنعما هي ، وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} [ البقرة:271] فقد مدحها الله تعالى مطلقا ، وجعل إخفاء ما يؤتاه الفقير منها خيرا من إظهاره لأن بعض الفقراء يتأذى بالإظهار ويراه إهانة له ، ولو كان جميع الفقراء أو أكثرهم يتأذون بالإظهار لحرمة الله تعالى وأوجب الإخفاء إيجابا .فلما ذمّ الله تعالى النجوى وبين أنه لا خير في كثير منها وكان مما قد يترتب على ذلك أن لا يتناجى المتعاونون على الخير فيما بينهم في أمر بعضهم بعضا بالصدقة الخفية على المستحقين لها من أهل الحياء والكرامة الذين يحسبهم الجاهل بأمرهم أغنياء من التعفف ، استثنى الحكيم الخبير هذا النوع من النجوى حتى لا يتحاماه المتورعون خوفا أن يدخل فيما لا خير فيه .
وأما المعروف فقد يخفى وجه استثنائه ، وهو في اللغة ضد المنكر أي ما تعرفه وتقره النفوس وتتلقاه بالقبول ، لموافقته للمصالح وانطباقه على الطباع والعقول ، قال بعض أهل الفراسة من العرب:إني لأعرف في عيني الرجل إذا عرف ، وأعرف في عينيه إذ أنكر ، وأعرف فيهما إذا لم يعرف ولم ينكر ، الخ ولما كان الشرع مهذبا للنفوس ومرشدا للعقول ، ومقوما لما مال وانْآد من أحكام الفطرة البشرية بسوء اجتهاد الناس ، صار أعرف المعروف ما أرشد إليه أو أقره واستحسنه ، وأنكر المنكر ما نهى عنه وذمه وكرهه ، فالذي يؤمر بالمعروف على مسمع من الناس يستاء في الغالب من الآمر ، ولا سيما إذا كان من أقرانه حقيقة أو ادعاء ، لأنه يرى في أمره إياه استعلاء عليه بالعلم والفضل ، واتهاما له بالتقصير أو الجهل ، وإشرافا عليه بالتعليم والتهذيب ، من أجل هذا كانت النجوى به أبعد عن الإيذاء ، وأقرب إلى القبول والإمضاء ، وكان من هداية اللطيف الخبير أن يدخله في هذا الاستثناء ، ليكف عنه محبو الاستعلاء ، ولا يتأثم به من يعرفون فائدة الإخفاء .
وأما الإصلاح بين الناس فهو أيضا من الخير الذي قد يترتب على إظهاره والتحدث به في الملأ شر كبير ، وضرر مستطير ، فينقلب الإصلاح المطلوب إفسادا ، وهذا مما لا يكاد يخفى على أحد عاش بين الناس واختبر أحوالهم فيما يكون بينهم من الخصام والشقاق والتنازع والصلح والتراضي بسعي محبي الإصلاح .فإن منهم من إذا علم أن ما يطالب به من الصلح كان بأمر زيد من الناس ، لا يستجيب ولا يقبل ، ومنهم من يصده عن الرضا بذلك ذكره بين الناس وعلمهم بأنه كان بسعي وتواطؤ ، ومنهم من يشترط أن يكون خصمه هو الذي طلب مصالحته ، ومنهم من يشترط أن يظن ذلك ، والجهر بالحديث في ذلك قد يبطل ذلك .فالإصلاح بين الناس يحتاج فيه إلى الكتمان وأن يكون الأمر به والسعي إليه بين من يتعاونون عليه بالنجوى فيما بينهم .
لو أطلق القول في الكتاب بأن كثيرا من النجوى لا خير فيه ولم يستثن من ذلك شيء لذهب اجتهاد كثير من المتورعين إلى أن هذه الأمور من ذلك الكثير فيتركون النجوى بها خوفا من الوقوع فيما لا خير فيه ، وحينئذ إما أن يرجحوا الجهر بالأمر بها فيفوت الغرض المقصود منها ، ولو في بعض دون بعض ، وإما أن يرجحوا ترك الأمر بها البتة ، لئلا يترتب على النفع المقصود من الصدقة الضرر ، وتأخذ من يؤمر بالمعروف العزة بالإثم ، ويتحول إصلاح ذات البين إلى إفساد ، فهذا ما ظهر لي الآن في المسألة .
{ ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما} بغى الشيء طلبه بالفعل وابتغاه أبلغ من بغاه في الدلالة على الطلب لأنه يدل على الاجتهاد فيه والاعتمال له ، وإنما تنال مرضاة الله تعالى بالشيء إذا فعل على الوجه الذي يحصل به الخير ويتم به النفع الذي شرع لأجله ، ويكون الفاعل له مظهرا لرحمته تعالى وحكمته ، مع تذكر هذا عند العمل والشعور به ، وبهذا القيد يكون المؤمن أرقى من الفيلسوف في عمله ، وأبعد عن الغرور والدعوى فيه ، وأرسخ قدما في الإخلاص ، وتحري نفع الناس ، والثبات على ذلك وعدم مزاحمة الأهواء الشخصية له وترجيحها عليه ، ذلك بأن الفلاسفةوأخص منهم فلاسفة هذا الزمانيقولون إن الخير والفضيلة والكمال في الإنسانية هو أن يفعل الإنسان الخير لأنه خير نافع للهيأة الاجتماعية التي هو منها ، والإيمان يهدينا إلى هذا وإلى ما هو أعلى منه وأشرف ، وهو أن نشعر أنفسنا عند عمله أننا مظاهر لرحمة الله تعالى ورأفته بعباده ، ومجالي لحكمته في إصلاح خلقه ، وأن لنا بذلك قربا معنويا من ربنا ، وإننا نلنا به مرضاته عنا ، وصرنا به أهلا للجزاء الأوفى .في حياة أشرف من هذه الحياة وأرقى ، وإن هذا الجزاء هو المعبر عنه بالأجر العظيم ، وناهيك بما يشهد الله تعالى بعظمته في كتابه الحكيم ، وليس هو من قبل جزاء الملوك والكبراء لمن يحسن خدمتهم ، وينال مرضاتهم ، بل هو أثر فطري طبيعي لارتقاء النفس بتلك الأعمال الصالحة ، التي لا يقصد بها رياء ولا سمعة ، إلى ما يزيد صاحبها بفضله وكرمه .
إن المؤمن الفقيه في دينه ، الذي هو على بصيرة منه ، يعمل الخير على هذا الوجه ، حتى ترتقي روحه ارتقاء تصل به إلى ذلك الفضل ، وأما صاحب تلك النظرية الفلسفية فقلما يعمل بها ، وإن عمل بها أحيانا فقلما يكون مخلصا في عمله ، وإذا تعارض هواه وشهوته مع خير غيره ومنفعته ، فإنه يؤثر نفسه ولو بالباطل ، على غيره من أصحاب الحق ، فإذا كان مما وصف الله تعالى به المؤمنين أنهم يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ، فهؤلاء الفلاسفة ومقلدتهم يؤثرون أنفسهم على غيرهم ولو عن ظهر غنى ، ثم إنهم يميلون في تأويل الخير والنفع مع الهوى ، وقد جرى لي حديث مع بعض كبراء المصريين في تحديد معنى الفضيلة فكان يتكلم بلسان الفلسفة ، وأتكلم بلسان الإسلام الجامع بين الدين والحكمة ، فلما حددها بما ينفع الهيئة الاجتماعية ، قلت إذا كان هذا هو المعنى فما هو الباعث للنفوس على العمل به ؟ قال هو اعتقاد كل فرد أن نفع الهيئة الاجتماعية نفع له فإذا صلحت عاش فيها سعيدا ، وإذا فسدت لحقه شيء من فسادها فكان به شقيا .
قلت:معنى الفضيلة إذاً أنْ يطلب الإنسان نفع نفسه مع ملاحظة نفع الهيئة الاجتماعية التي يعيش فيها ، فتختلف الأعمال التي تندرج في مفهومها الكلي فاختلاف آراء أفراد الناس فيما ينفع الهيئة الاجتماعية وفيما هو أرجح من المنافع عند تعارضها .مثال ذلك إذا قدرت أن تسرق مال رجل أو تخونه فيه إذا استودعك إياه ففعلت ذلك لاعتقادك أنك تقدر على ما لا يقدر صاحب المال عليه من نفع الهيئة الاجتماعية أو تنفقه فيما هو أنفع لها تكون بهذه السرقة وهذه الخيانة معتصما بعروة الفضيلة .
قال:نعم .
قلت:وإذا قدر رجل على أن يخون آخر في عرضه ويزني بامرأته معتقدا أنه لا ضرر في ذلك على الهيئة الاجتماعية لأنه في الخفاء فلا يثير نزاعا ولا خصاما فلا ينافي الفضيلة ، أو أنه ربما ينفع الهيئة الاجتماعية بإيلادها ولدا يرث من ذكائه ما يكون فيه خيرا ممن تلدهم تلك المرأة من زوجها الشرعي ، أو بما هو أوضح من هذا عنده كأن تكون تلك المرأة لا تلد من ذلك الرجلفهل يكون هذا العمل من مقومات الفضيلة المحدودة بما ذكرتم ؟
قال:نعم كل من هذا وذاك يعد من الفضيلة في الواقع ونفس الأمر إذا كان اعتقاد الفاعل بنفعه للهيئة الاجتماعية صحيحا ، وإن كان القانون لا يجيز الحكم له بحسب اعتقاده إذا ظهر الأمر ورفع إلى القاضي ! ! .
أقول:وقس على السرقة والخيانة والفاحشة جميع الرذائل حتى القتل فإنها يمكن أن تعد من الفضائل على ذلك التعريف إذا ظن فاعلها أنه ينفع الهيئة الاجتماعية ، كأن يقتل من يرى هو في سياسته أو اعتقاده أو عمله ضررا وإن كان المقتول يرى ذلك نافعا ، فهذا المذهب الجديد في الفلسفة العملية هو شر مذهب أخرج للناس ، فإن الرذائل فيه قد تسمى عقائل الفضائل ، والمفاسد تعد فيه من أنفع المصالح ، والحاكم في ذلك هو الهوى .ولولا افتتان ضعفاء النفوس ببعض من يقولون به لما استحق أن يحكى .وكان للفلاسفة الأولين مذاهب في الفضيلة معقولة ، وآراء صحيحة ، وقد أنطقهم الله تعالى بكثير من الحكم ، ولكن ثمرات عقولهم لم تكن دانية القطوف ، يجنيها القوي والضعيف ، ولم يكن لها ما لهداية الوحي من السلطان على القلوب والأرواح ، والتأثير السريع في إصلاح شؤون الاجتماع ، فمن ثم كان الدين أنفع من الفلسفة للناس .
وليس عندي شيء عن الأستاذ الإمام في تفسير هذه الآية إلا ما أسندته إليه في أول الكلام عليها ، وقوله في تفسير ابتغاء مرضاة الله إنها تطلب بالإخلاص ، وعدم إرادة السمعة والرياء كما يفعل المتفاخرون من الأغنياء:تصدقنا أعطينا منحنا عملنا وعملنافهؤلاء إنما يبتغون الربح بما يبذلون أو يعملون لا مرضاة الله تعالى ، ولذلك يشق عليهم أن يكون خفيا ، وأن يخلصوا في الحديث عنه نجيا ، لأن الاستفادة منه بجذب القلوب إليهم ، وتسخير الناس لخدمتهم ، ورفعهم لمكانتهم ، إنما تكون بإظهاره لهم ، ليتعلق الرجاء فيهم .اه ببسط وإيضاح{[595]} .