/م142
ثم بين تعالى جزاء المنافقين بعد بيان أحوالهم التي استحقوا بها هذا الجزاء فقال:{ إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} الدرك ( بسكون الراء وبه قرأ الكوفيون وبفتحها وبه قرأ الباقون ) عبارة عن الطبقة والدرجة من الجانب الأسفل ، لأن هذه الطبقات متداركة متتابعة .ودل هذا على أن دار العذاب في الآخرة ذات دركات بعضها أسفل من بعض كما أن دار النعيم درجات بعضها أعلى من بعض ، نسأل الله أن يجعلنا مع المقربين من أهلها{ أولئك لهم الدرجات العلى ، جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ، وذلك جزاء من تزكى} [ طه:76] .
وإنما كان المنافقون في الدرك الأسفل من النار لأنهم شر أهلها بما جمعوا بين الكفر والنفاق ومخادعة الله والمؤمنين وغشهم ، فأرواحهم أسفل الأرواح ، وأنفسهم أخس الأنفس ، وأكثر الكفار قد أفسد فطرتهم التقليد ، وغلب عليهم الجهل بحقيقة التوحيد ، فهم مع إيمانهم بالله يشركون به غيره ، باتخاذهم شفعاء عنده ، ووسطاء بينهم وبينه ، قياسا على معاملة ملوكهم المستبدين ، وأمرائهم الظالمين ، وهم لا يرضون لأنفسهم النفاق في الدين ، ومخادعة الله والمؤمنين ، والإصرار على الكذب والغش ، ومقابلة هذا بوجه وذاك بوجه ، فلما كان المنافقون أسفل الناس أرواحا وعقلا كانوا أجدر الناس بالدرك الأسفل من النار:{ ولن تجد لهم نصيرا} ينقذهم من عذابها ، أو يرفعهم من الطبقة السفلى إلى ما فوقها .