/م141
{ وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا} أي وأنشأ من الأنعام حمولة وهي ما يحمل عليه الناس الأثقال من الإبل والبقر وهو كبارها وهي كالركوبة لما يركب لا واحد له من لفظه وفرشا وهو ما يفرش للذبح من الضأن والمعز وكذا صغار الإبل والبقر أو ما يتخذ الفرش من صوفه ووبره وشعره ، وقد روي نحو هذا عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وروي عن عبد الله بن مسعود أن الحمولة ما حمل عن الإبل والفرش صغارها ، وهو رواية عن ابن عباس وتلميذه مجاهد والرواية الأخرى عنه أن الحمولة الإبل والخيل والبغال والحمير وكل شيء يحمل عليه والفرش الغنم ، وهذا التفسير للحمولة لغوي فإن الخيل والبغال والحمير ليست من الأنعام ، وعن أبي العالية الحمولة الإبل والبقر ، والفرش الضأن والمعز ، ذكره في الدر المنثور من رواية عبد بن حميد عنه .
قال بعضهم وهذا ظاهر على القول أن الفرش سميت فرشا لصغرها ودنوها من الأرض وقال الراغب في مفرداته والفرش ما يفرش من الأنعام أي يركب وكنى بالفراش عن كل واحد من الزوجين فقال النبي صلى الله عليه وسلم"الولد للفراش "{[1029]} و فلان كريم المفارش اه .وفي معنى هذه الآية آيات كقوله تعالى في سورة المؤمن:{ الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون} ( غافر 79- 80 ) ومثلهما في سورة يس وفي سورة النحل .
{ كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ} من هذه الأنعام وغيرها وانتفعوا بسائر أنواع الانتفاع منها{ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} بتحريم ما لم يحرمه الله عليكم ولا بغير ذلك من إغوائه فهو سبحانه هو المنشئ والمالك لها حقيقة وقد أباحها لكم ربكم فأنى لغيره أن يحرم عليكم ما ليس له خلقا وإنشاء ولا ملكا ، ولا هو برب لكم فيتعبدكم به تعبدا ، والخطوات جمع خطوة بالضم وهي المسافة التي بين القدمين ومن بالغ في اتباع ما يتبع خطواته كلما انتقل تأثيره فوضع خطوه مكان خطوه وتحريم ما أحل الله من أقبح المبالغة في اتباع إغواء الشيطان لأنه ضلال في حرمان من الطيبات لا في تمتع بالشهوات كما هو أكثر إغوائه .
{ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} هذا تعليل للنهي أي لا تتبعوه لأنه عدو لكم من دون الخلق مظهر للعداوة أو بينها ظاهرها بكونه لا يأمر إلا بما يفحش قبحه ويسوء فعله أو أثره في الحال أو الاستقبال وبالافتراء المحض على الله بغير علم كما قال تعالى:{ إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعمون} ( البقرة 169 ) وهذا حق بين لكل من حاسب نفسه وأقام الميزان لخواطرها ، ومن أجهل ممن يتبع خطوات عدوه حتى في حرمان نفسه من منافعها .