/م142
يقول أوّلا: إِنّ الله هو الذي خلق لكم حيوانات كبيرة للحمل والنقل ،وأُخرى صغيرة: ( ومن الأنعام حمولة وفرشاً ){[1307]} .
و«حمولة » جمع وليس لها مفردكما قال علماء اللغةوتعني الحيوانات الكبيرة التي تستخدم للحمل والنقل كالإِبل والفرس ونظائرها .
و«فرش » هو بنفس المعنى المتعارف ،ولكن فُسِّر هنا بالغنم وما يشابهه من الحيوانات الصغيرة ،والظاهر أنّ العلة في ذلك هو أنّ هذا النوع من الأنعام لصغرها واقترابها من الأرض كالفراش في مقابل الأنعام والحيوانات الكبيرة الجثةالتي تقوم بعملية الحمل والنقل ،كالإِبلفعند ما نشاهد قطيعاً من الأغنام وهي مشغولة بالرعي في الصحاري والمراعي بدت لنا وكأنّها فرش ممدودة على الأرض ،في حين أن قطيع الإِبل لا يكون له مثل هذا المنظر .
ثمّ إِنّ تقابلَ «الحمولة » ل«الفرش » أيضاً يؤيد هذا المعنى .
وقد ذهبَ بعض المفسّرين إِلى احتمال آخر أيضاً ،وهو أن المراد من هذه الكلمة هي الفُرُش التي يتخذها الناس من هذه الأنعام والحيوانات ،يعني أن الكثير من هذه الحيوانات تستخدم للحمل والنقل ،كما يُستفاد منها في صنع الفُرُش .ولكن الاحتمال الأوّل أقرب إِلى معنى الآية .
ثمّ إِنّ الآية الشريفة تخلص إِلى القول بأنه لمّا كانت جميع هذه الأنعام قد خلقها الله تعالى وحكمها بيده ،فإِنّه يأمركم قائلا: ( كُلُوا ممّا رزقكم الله ) .
أمّا أنّه لماذا لا يقول: كُلُوا من هذه الأنعام والحيوانات ،بل يقول: ( كلوا ممّا رزقكم الله ) ؟فلأن الحيوانات المحلّلة اللحم لا تنحصر في ما ذكر في هذه الآيات ،بل هناك حيوانات أُخرى محلّلَة اللحم أيضاً ولكنّها لم تُذكر في الآياتِ السابقةِ .
ولتأكيد هذا الكلام وإبطال أحكام المشركين الخرافية يقول: ( ولا تتبعوا خطوات الشيطان إِنّه لكم عدوٌ مبين ) فهو الذي أعلن الحرب على آدم منذ بداية الخلق .
وهذه العبارة إِشارة إِلى أن هذه الأحكام والمقررات العارية عن الدليل ،والتي تنبع فقط من الهوى والجهل ،ما هي إِلاّ وساوس شيطانية من شأنها أن تبعدكم عن الحق خطوةً فخطوةً ،وتؤدي بكم إلى متاهات الحيرة والضلالة .
هذا وقد مرّ توضيح أكثر لهذه العبارة عند تفسير الآية ( 168 ) من سورة البقرة .