/م40
{ ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون ( 42 )} .
أقسم الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه أرسل رسلا قبله إلى أمم قبل أمته فكانوا أرسخ من قومه في الشرك ، وأشد منهم إصرارا على الظلم .فإن قومه يدعون الله تعالى وحده عند شدة الضيق وينسون ما اتخذوه من دونه من الأولياء والأنداد ، وأما تلك الأمم فلم تلن الشدائد قلوبهم ، ولم تصلح ما أفسد الشيطان من فطرتهم .
الأخذ بالبأساء والضراء عبارة عن إنزالهما بهم ، وأخذ الشيء يطلق على حوزه وتحصيله بالتناول والملك أو الاستيلاء والقهر ، وقد يسند هذا إلى الأسباب غير الفاعلة المريدة كقوله تعالى:{ أخذته العزة بالإثم} [ البقرة:206]{ فأخذهم الطوفان}] العنكبوت:14]{ فأخذهم العذاب} [ الشعراء:158]{ فأخذتهم الصيحة} [ الحجر:73]{ الصاعقة} [ النساء:153]{ الرجفة} [ الأعراف:91] والبأساء اسم يطلق على الحرب والمشقة ، والبأس الشدة في الحرب والخوف في الشدة والعذاب الشديد والقوة والشجاعة .والبؤس الخضوع والفقر .كذا في لسان العرب .وقال الراغب البؤس البأس والبأساء الشدة والمكروه إلا أن البؤس في الفقر والحرب أكثر ، والبأس والبأساء في النكاية ، وأورد الشواهد على ذلك .والضراء فعلاء من الضر – وهو ضد النفع وتطلق على السنة أي الجدب والأذى وسوء الحال حسيا كان أو معنويا – كالسراء من السرور وهي ضدها التي تقابلها كالنعماء .وأما الضر فيقابله النفع .وفسر ابن جرير البأساء بشدة الفقر والضيق في المعيشة والضراء بالأسقام والعلل العارضة في الأجسام ، ونقل نحوه الرازي عن الحسن .وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير أن البأساء خوف السلطان وغلاء السعر .
والأقوال في الكلمتين متقاربة والفرق بينهما – كما أفهم – أن البأساء يقع في الخارج من الأمور الشديدة الوقع على من يمسه تأثيرها كالحرب الحاضرة الآن فإن وقعها أليم شديد على من أصيبوا بفقد أولادهم أو تخريب بلادهم أو ضيق معايشهم ، وأما الضراء فهي كل ما يؤلم النفس ألما شديدا سواء كان سببه نفسيا أو بدنيا أو خارجيا – فعلى هذا تكون البأساء من أسباب الضراء .وقالوا إنهما جاءتا على وزن حمراء ولم يرد في مذكرهما وزن أحمر صفة بل ورد اسم تفضيل .والتضرع إظهار الضراعة بتكلف أو تكثر وهي الضعف أو الذل والخضوع .
ومعنى الآية:نقسم أننا قد أرسلنا رسلا إلى أمم من قبلك فدعوهم إلى توحيدنا وعبادتنا فلم يستجيبوا لهم فأخذناهم أخذ ابتلاء واختبار بالبأساء والضراء ليكون ذلك معدا لهم لما يترتب عليه بحسب طباع البشر وأخلاقهم ، من التضرع والجؤار بالدعاء لربهم ، إذ مضت سنتنا بجعل الشدائد مربية للناس ، بما ترجع المغرورين عن غرورهم ، وتكف الفجار عن فجورهم ، فما أجدرها بإرجاع أهل الأوهام ، عن دعاء أمثالهم من البشر دع ما دونهم من الأصنام ، ولكن من الناس من يضل إلى غاية من الشرك والفسق ، لا يزيلها بأس ولا يزلزلها بؤس ، فلا تنفع معهم العبر ، ولا تؤثر فيهم الغير ، وكان أولئك الأقوام منهم ، ولذلك قال تعالى فيهم:{ فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا} .