{ ولمّا وقع عليهم الرّجز قالوا يا موسى ادع لنا ربّك بما عهد عندك لئن كشفت عنّا الرّجز لنؤمننّ لك ولنرسلنّ معك بني إسرائيل 134 فلمّا كشفنا عنهم الرّجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون 135 فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليمّ بأنّهم كذّبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين 136}
بعد بيان تلك الآيات ذكر ما كان من تأثيرها وتأويلها معطوفا عليها فقال عز وجل .
{ ولمّا وقع عليهم الرّجز قالوا يا موسى ادع لنا ربّك بما عهد عندك لئن كشفت عنّا الرّجز لنؤمننّ لك ولنرسلنّ معك بني إسرائيل} قال في الأساس:ارتجز الرعد إذا تداوك صوته كارتجاز الراجز ..والبحر يرتجز بآذيه أي موجه ...فمادة الرجز تدل في أصل اللغة على الاضطراب كما قال الراغب وهو يكون في النفس كما يكون في الأجسام ومنه قوله تعالى في وصف الماء الذي أنزله على المسلمين في بدر{ ويذهب عنكم رجز الشيطان} [ الأنفال:11] أي وسوسته لهم بأن يأخذهم العطش فلا يستطيعون الصبر على القتال وقيل غير ذلك .وقد يكون في الصوت ومنه الرجز في الشعر سمي بما كان لهم من اضطراب الصوت في إنشاده ، وقد سمي عذاب قوم لوط رجزا بقوله تعالى في سورة العنكبوت:{ إنّا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السّماء بما كانوا يفسقون} [ العنكبوت:34] وفي سورتي سبأ والجاثية إنذار للكافرين بعذاب من رجز أليم .
وفسر الرجز هنا بالعذاب وروي عن قتادة وفيه حديث مرفوع عن عائشة عند ابن مردويه ، وعن ابن عباس وسعيد بن جبير أن المراد به الطاعون .وكأنهما أخذاه من حديث أسامة بن زيد مرفوعا ( الطاعون رجز أرسل على بني إسرائيل –أو على من كان قبلكم- فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه ){[1235]} رواه مسلم عنه بهذا اللفظ وألفاظ أخرى بمعناه منها ( الطاعون آية الرجز ابتلى الله به عز وجل أناسا من عباده ){[1236]} الخ وفي رواية له ( هو عذاب أو رجز أرسله الله على طائفة من بني إسرائيل أو ناس كانوا قبلكم ){[1237]} الخ وأوله في بعضها ( إن هذا الطاعون ) الخ ورواه أحمد والنسائي ومصنفو التفسير المأثور عنه وعن سعيد بن مالك وخزيمة بن ثابت ، ووجهه في اللغة أن الطاعون من الأوبئة التي تضطرب لها القلوب لشدة فتكها وذكر المفسرون في تفسير قوله تعالى من سورة البقرة:{ وإذا قلنا ادخلوا هذه القرية} – إلى قوله-{ فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون} [ البقرة:59] وهو يصدق بطائفة من بني إسرائيل وقد نزل الطاعون بهم كغيرهم مرارا .
ولا يوجد حديث مرفوع يدل على أن الطاعون هو المراد بالرجز في الآية التي نفسرها وضربة القروح المذكورة في التوراة يجوز أن تكون هي الطاعون ، وموت الأبكار يحتمل أن يكون بالطاعون أيضا .
والمتبادر من عبارة الآية أن المراد من الرجز جنسه وهو كل عذاب تضطرب له القلوب أو يضطرب له الناس في شؤونهم ومعايشهم وهو يشمل كل نقمة وجائحة أنزلها الله تعالى على قوم فرعون كالخمس المبينة في هذا السياق وفي التوراة أن فرعون كان يقول لموسى عند نزول كل منها ادع لنا ربك واشفع لنا عنده أن يرفع عنا هذه ، ويعده بأن يرسل معه بني إسرائيل ليعبدوا ربهم ويذبحوا له ثم ينكث ، فإذا أريد بالرجز أفراده وافق التوراة في أن فرعون وملأه كانوا يطلبون من موسى عند كل فرد منها أن يدعو ربه بكشفها عنهم ، ولفظ"لما "لا يمنع من ذلك كما صرح به المفسرون الذين قالوا بهذا ، وإن أريد به جملته ومجموع أفراده أو فرد آخر غير ما تقدم فالمتبادر أن يكون طلب كشفه قد وقع مرة واحدة ، والأول أظهر ويرجحه التعبير عن نكثهم بصيغة المضارع ( ينكثون ) فإنه يدل على الاستمرار .
ومعنى النظم الكريم:ولما وقع على فرعون وقومه ذلك العذاب المذكور في الآية السابقة فاضطربوا اضطراب الأرشية في البئر البعيدة القعر ، وحاصوا حيصة الحمر فوقعوا في حيص بيص- وهو ما يدل عليه تسمية ذلك العذاب بالرجز- قالوا عند نزول كل نوع منه بهم:يا موسى ادع لنا ربك واسأله بما عهد عندك من أمر إرسالك إلينا لإنقاذ قومك ليعبدوه وحده – فالنبوة والرسالة عهد من الرب تعالى لمن اختصه بذلك يدل عليه قوله تعالى لإبراهيم صلى الله عليه وآله وسلم{ إنّي جاعلك للنّاس إماما قال ومن ذرّيّتي قال لا ينال عهدي الظّالمين} [ البقرة:124] –أو ادعه بالذي عهد به إليك أن تدعوه به فيعطيك الآيات ويستجيب لك الدعاء- أن يكشف عنا هذا الرجز ، ونحن نقسم لك لئن كشفته عنا لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل قال تعالى:{ فلمّا كشفنا عنهم الرّجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون}