/م58
{ ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله} أي ولو أنهم رضوا ما أعطاهم الله من فضله بما أنعم عليهم من الغنائم وغيرها ، وأعطاهم رسوله بقسمه للغنائم والصدقات كما أمره الله تعالى .
{ وقالوا حسبنا الله} أي هو محسبنا وكافينا في كل حال .
{ سيؤتينا الله من فضله ورسوله} أي سيعطينا الله من فضله في المستقبل من الغنائم والكسب ؛ لأن فضله دائم لا ينقطع ، ويعطينا رسوله مما يرد عليه من الغنائم والصدقات زيادة مما أعطانا من قبل لا يبخس أحداً منا حقاً يستحقه في شرع الله تعالى .
{ إنا إلى الله راغبون} لا نرغب إلى غيره في شيء ، لأن بيده ملكوت كل شيء ، فإليه نتوجه ، ومنه نرجو أن يبسط لنا في الرزق بما يوفقنا له من العمل ويهبه لنا من النصرلكان خيرا لهم .
الرغب بالتحريك يتعدى بنفسه يقال:رغبه ، ويعدى بفي يقال:رغب فيه ، أي أحب حصوله له وتوجه شوقه إلى طلبه ، ويتعدى بعن لضد ذلك فيقال:رغب عنه ، ومنه{ ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه} [ البقرة:130] ، وأما تعديته بإلى فهو بمعنى التوجه إلى الغاية التي ليس بعدها غاية ، ولا ينبغي هذا إلا لله تعالى إذا أريد بالغاية ما بعد الأسباب المعروفة للبشر وهو مقام التوكل ، ولذلك لم يقل:إنهم يقولون حسبنا الله ورسوله ، كما يقولون سيؤتينا الله من فضله ورسوله ، فللرسول صلى الله عليه وسلم كسب في الإيتاء بعد فضل الله تعالى ، ولكن المحسب الكافي هو الله وحده ، كما قال{ أليس الله بكاف عبده ؟} [ الزمر:36] وقال:{ ومن يتوكل على الله فهو حسبه}[ الطلاق:3] ، ولذلك استعمل في التنزيل بالصيغة الدالة على الحصر ، وما ثم إلا هذه الجملة في هذه السورة ومثلها في سورة الأنبياء{ إنا إلى ربنا راغبون} [ القلم:32] ، وقوله تعالى لرسوله في سورة الانشراح{ وإلى ربك فارغب} [ الشرح:8] .
وإنما حذف جواب الشرط للعلم به من القرينة ، وتفصيل المعنى:ولو أنهم رضوا من الله بنعمته ، ومن الرسول بقسمته ، وعلقوا أملهم ورجاءهم بفضل الله وكفايته ، وما سينعم به في المستقبل ، وبعدل الرسول صلى الله عليه وسلم في القسمة ، وانتهت رغبتهم في هذا وغيره إلى الله وحده ، لكان خيرا لهم من الطمع في غير مطمع ، ولمز الرسول المعصوم من كل ملمز ومهمز ، صلوات الله وسلامه عليه .والآيتان تهديان المؤمن إلى القناعة بكسبه وما يناله بحق من صدقة ونحوها ، ثم بأن يوجه قلبه إلى ربه ، ولا يرغب إلا إليه في شيء من رغائبه التي وراء كسبه وحقوقه الشرعية ، لا إلى الرسول ولا إلى من دونه فضلاً وعدلاً وقرباً من الله تعالى بالأولى ، فتعسا لعباد القبور ، والراغبين إلى ما دفن فيها في مهمات الأمور .