هذا إخبار من الله تعالى عما دعا به موسى ، عليه السلام ، على فرعون وملئه ، لما أبوا قبول الحق واستمروا على ضلالهم وكفرهم معاندين جاحدين ، ظلما وعلوا وتكبرا وعتوا ، قال:( ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة ) أي:من أثاث الدنيا ومتاعها ، ( وأموالا ) أي:جزيلة كثيرة ، ( في ) هذه ( الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ) - بفتح الياء - أي:أعطيتهم ذلك وأنت تعلم أنهم لا يؤمنون بما أرسلتني به إليهم استدراجا منك لهم ، كما قال تعالى:( لنفتنهم فيه )
وقرأ آخرون:( ليضلوا ) بضم الياء ، أي:ليفتتن بما أعطيتهم من شئت من خلقك ، ليظن من أغويته أنك إنما أعطيت هؤلاء هذا لحبك إياهم واعتنائك بهم .
( ربنا اطمس على أموالهم ) قال ابن عباس ، ومجاهد:أي:أهلكها . وقال الضحاك ، وأبو العالية ، والربيع بن أنس:جعلها الله حجارة منقوشة كهيئة ما كانت .
وقال قتادة:بلغنا أن زروعهم تحولت حجارة .
وقال محمد بن كعب القرظي:اجعل سكرهم حجارة .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث ، حدثنا يحيى بن أبي بكير ، عن أبي معشر ، حدثني محمد بن قيس:أن محمد بن كعب قرأ سورة يونس على عمر بن عبد العزيز:( وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه ) إلى قوله:( اطمس على أموالهم ) إلى آخرها [ فقال له:عمر يا أبا حمزة أي شيء الطمس ؟ قال:عادت أموالهم كلها حجارة] فقال عمر بن عبد العزيز لغلام له:ائتني بكيس . [ فجاءه بكيس] فإذا فيه حمص وبيض ، قد قطع حول حجارة .
وقوله:( واشدد على قلوبهم ) قال ابن عباس:أي اطبع عليها ، ( فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم )
وهذه الدعوة كانت من موسى ، عليه السلام ، غضبا لله ولدينه على فرعون وملئه ، الذين تبين له أنه لا خير فيهم ، ولا يجيء منهم شيء كما دعا نوح ، عليه السلام ، فقال:( رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ) [ نوح:26 ، 27] ؛ ولهذا استجاب الله تعالى لموسى ، عليه السلام ، فيهم هذه الدعوة ، التي أمن عليها أخوه هارون ، فقال تعالى:( قد أجيبت دعوتكما )
قال أبو العالية ، وأبو صالح ، وعكرمة ، ومحمد بن كعب القرظي ، والربيع بن أنس:دعا موسى وأمن هارون ، أي:قد أجبناكما فيما سألتما من تدمير آل فرعون .
وقد يحتج بهذه الآية من يقول:"إن تأمين المأموم على قراءة الفاتحة ينزل منزلة قراءتها ؛ لأن موسى دعا وهارون أمن ".