ثمّ أشارت إِلى إِحدى علل طغيان فرعون وأزلامه ،فتقول على لسان موسى: ( وقال موسى ربّنا إِنّك آتيت فرعون وملاءه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ليضلوا عن سبيلك ) .
إِنّ اللام في «ليضلوا » لام العاقبة ،أي إِنّ جماعة الأشراف الأثرياء المترفين سيسعون من أجل إِضلال الناس شاؤوا أم أبوا ،وسوف لا تكون عاقبة أمرهم شيئاً غير هذا ،لأنّ دعوة الأنبياء والأطروحات الإِلهية توقظ الناس وتوحدّهم وبذلك لا يبقى مجال لتسلط الظالمين وكيد المعتدين وستضيق الدنيا عليهم ،فلا يجدوا بدّاً من معارضة الأنبياء .
ثمّ يطلب موسى( عليه السلام ) من الله طلباً فيقول: ( ربّنا اطمس على أموالهم ) .
«الطمس » في اللغة بمعنى المحو وسلب خواص الشيء ،واللطيف في الأمر أن ما ورد في بعض الرّوايات من أنّ أموال الفراعنة قد أصبحت خزفاً وحجراً بعد هذه اللعنة ،ربّما كان كناية عن أنّ التدهور الاقتصادي قد بلغ بهم أن سقطت فيه قيمة ثرواتهم تماماً وأصبحت كالخزف لا قيمة لها !
ثمّ أضافت ( وأشدد على قلوبهم ) أي: اسلبهم قدرة التفكير والتدبّر أيضاً لأنّهم بفقدانهم هاتين الدعامتين ( المال والفكر ) سيكونون على حافة الزوال والفناء ،وسينفتح أمامنا طريق الثورة ،وتوجيه الضربة النهائية لهؤلاء .
اللّهم إِن كنتُ قد طلبتُ ذلك منك في حق الفراعنة فليس ذلك نابعاً من روح الانتقام والحقد ،بل لأنّ هؤلاء قد فقدوا أرضية الإِيمان أبداً: ( فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ) ومن الطبيعي أنّ الإِيمان بعد مشاهدة العذابكما سيأتي قريباًلا ينفع هؤلاء أيضاً .