يخبر تعالى عن قدرته على كل شيء ، وأنه خلق السموات والأرض في ستة أيام ، وأن عرشه كان على الماء قبل ذلك ، كما قال الإمام أحمد:
حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن جامع بن شداد ، عن صفوان بن محرز ، عن عمران بن حصين قال:قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم:"اقبلوا البشرى يا بني تميم ". قالوا:قد بشرتنا فأعطنا . قال:"اقبلوا البشرى يا أهل اليمن ". قالوا:قد قبلنا ، فأخبرنا عن أول هذا الأمر كيف كان ؟ قال:"كان الله قبل كل شيء ، وكان عرشه على الماء ، وكتب في اللوح المحفوظ ذكر كل شيء ". قال:فأتاني آت فقال:يا عمران ، انحلت ناقتك من عقالها . قال:فخرجت في إثرها ، فلا أدري ما كان بعدي .
وهذا الحديث مخرج في صحيحي البخاري ومسلم بألفاظ كثيرة ; فمنها:قالوا:جئناك نسألك عن أول هذا الأمر فقال:"كان الله ولم يكن شيء قبله - وفي رواية:غيره ، وفي رواية:معه - وكان عرشه على الماء ، وكتب في الذكر كل شيء ، ثم خلق السموات والأرض ".
وفي صحيح مسلم ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال:قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم:"إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، وكان عرشه على الماء ".
وقال البخاري في تفسير هذه الآية:حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، حدثنا أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"قال الله عز وجل:أنفق أنفق عليك ". وقال:"يد الله ملأى لا يغيضها نفقة ، سحاء الليل والنهار "وقال "أفرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض ، فإنه لم يغض ما في يده ، وكان عرشه على الماء ، وبيده الميزان يخفض ويرفع ".
وقال الإمام أحمد:حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا حماد بن سلمة ، عن يعلى بن عطاء ، عن وكيع بن عدس ، عن عمه أبي رزين - واسمه لقيط بن عامر بن المنتفق العقيلي - قال:قلت:يا رسول الله ، أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه ؟ قال:"كان في عماء ، ما تحته هواء وما فوقه هواء ، ثم خلق العرش بعد ذلك ".
وقد رواه الترمذي في التفسير ، وابن ماجه في السنن من حديث يزيد بن هارون به وقال الترمذي:هذا حديث حسن .
وقال مجاهد:( وكان عرشه على الماء ) قبل أن يخلق شيئا . وكذا قال وهب بن منبه ، وضمرة بن حبيب ، وقاله قتادة ، وابن جرير ، وغير واحد .
وقال قتادة في قوله:( وكان عرشه على الماء ) ينبئكم كيف كان بدء خلقه قبل أن يخلق السموات والأرض .
وقال الربيع بن أنس:( وكان عرشه على الماء ) فلما خلق السموات والأرض ، قسم ذلك الماء قسمين ، فجعل نصفا تحت العرش ، وهو البحر المسجور .
وقال ابن عباس:إنما سمي العرش عرشا لارتفاعه .
وقال إسماعيل بن أبي خالد ، سمعت سعدا الطائي يقول:العرش ياقوتة حمراء .
وقال محمد بن إسحاق في قوله تعالى:( وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ) فكان كما وصف نفسه تعالى ، إذ ليس إلا الماء وعليه العرش ، وعلى العرش ذو الجلال والإكرام ، والعزة والسلطان ، والملك والقدرة ، والحلم والعلم ، والرحمة والنعمة ، الفعال لما يريد .
وقال الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير قال:سئل ابن عباس عن قول الله:( وكان عرشه على الماء ) على أي شيء كان الماء ؟ قال:على متن الريح .
وقوله تعالى:( ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) أي:خلق السموات والأرض لنفع عباده الذين خلقهم ليعبدوه وحده لا شريك له ، ولم يخلق ذلك عبثا ، كما قال تعالى:( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ) ، وقال تعالى:( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ) [ المؤمنون:115 ، 116] ، وقال تعالى:( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) [ الذاريات:56] .
وقوله:( ليبلوكم ) أي:ليختبركم ( أيكم أحسن عملا ) ولم يقل:أكثر عملا بل ( أحسن عملا ) ولا يكون العمل حسنا حتى يكون خالصا لله عز وجل ، على شريعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمتى فقد العمل واحدا من هذين الشرطين بطل وحبط .
وقوله:( ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ) يقول تعالى:ولئن أخبرت يا محمد هؤلاء المشركين أن الله سيبعثهم بعد مماتهم كما بدأهم ، مع أنهم يعلمون أن الله تعالى هو الذي خلق السموات والأرض ، [ كما قال تعالى:( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ) [ الزخرف:87] ، ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض] وسخر الشمس والقمر ليقولن الله ) [ العنكبوت:61] ، وهم مع هذا ينكرون البعث والمعاد يوم القيامة ، الذي هو بالنسبة إلى القدرة أهون من البداءة ، كما قال تعالى:( وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ) [ الروم:27] ، وقال تعالى:( ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ) [ لقمان:28] وقولهم:( إن هذا إلا سحر مبين ) أي:يقولون كفرا وعنادا ما نصدقك على وقوع البعث ، وما يذكر ذلك إلا من سحرته ، فهو يتبعك على ما تقول .