قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [ 7] .
صرح في هذه الآية الكريمة أنه خلق السماوات والأرض لحكمة ابتلاء الخلق ،ولم يخلقهما عبثاً ولا باطلاً .ونزه نفسه تعالى عن ذلك ،وصرح بأن من ظن ذلك فهو من الذين كفروا وهددهم بالنار ،قال تعالى:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَآءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَالِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ النَّارِ} [ ص:27] وقال تعالى:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُون َفَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [ المؤمنون: 115-116] وقال{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [ الذاريات: 56] ،وقال:{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَواةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [ الملك: 2] إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى:{وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ} [ 8] الآية .
المراد بالأمة هنا: المدة من الزمن .ونظيره قوله تعالى:{وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} .أي تذكر بعد مدة .
تنبيه
استعمل لفظ{الأمَّة} في القرآن أربعة استعمالات:
الأول: هو ما ذكرنا هنا من استعمال الأمة في البرهة من الزمن .
الثاني: استعمالها في الجماعة من الناس ،وهو الاستعمال الغالب ،كقوله{وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ} [ ص: 23] الآية ،وقوله:{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ} [ يونس: 47] الآية ،وقوله{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً} [ البقرة:213] الآية ،إلى غير ذلك من الآيات .
الثالث: استعمال{الأُمَّة} في الرجل المقتدى به .كقوله:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [ الصف: 120] الآية .
الرابع: استعمال{الأُمَّة} في الشريعة والطريقة ؛كقوله:{إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [ الزخرف: 22] الآية ،وقوله:{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [ الأنبياء: 92] الآية ،إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى:{مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ} [ 15] .
صرح تعالى في هذه الآية الكريمة: أن من عمل عملاً يريد به الحياة الدنيا أعطاه جزاء عمله في الدنيا ،وليس له في الآخرة إلا النار .
ونظير هذه الآية قوله تعالى في سورة الشورى:{وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ في الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} [ الشورى: 20] ولكنه تعالى يبين في سورة بني إسرائيل تعليق ذلك على مشيئته جل وعلا بقوله:{مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ} [ الإسراء: 18] الآية وقد أوضحنا هذه المسألة غاية الإيضاح في كتابنا «دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب » في الكلام على هذه الآية الكريمة ،ولذلك اختصرناها هنا .
قوله تعالى:{وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} [ 17] .
صرح تعالى في هذه الآية الكريمة: أن هذا القرآن لا يكفر به أحد كائناً من كان إلا دخل النار .وهو صريح في عموم رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم إلى جميع الخلق .والآيات الدالة على ذلك كثيرة ،كقوله تعالى{وَأُوحِىَ إِلَىَّ هَذَا الْقُرْءَانُ لأنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ} [ الأنعام: 19] ،وقوله:{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [ الفرقان: 1] ،وقوله:{وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ} [ سبأ:28] .وقوله:{قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [ الأعراف: 158] الآية .
قوله تعالى:{فَلاَ تَكُ في مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ} [ 17] الآية .
نهى الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن الشك في هذا القرآن العظيم ،وصرح أنه الحق من الله .والآيات الموضحة لهذا المعنى كثيرة جداً كقوله{الم ( 1 ) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ} [ البقرة: 1-2] وقوله:{الم ( 1 ) تَنزِيلُ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} [ التوبة: 1-2] ونحو ذلك من الآيات .والمرية: الشك .
قوله تعالى:{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ} [ 17] .
صرح تعالى في هذه الآية الكريمة بأن أكثر الناس لا يؤمنون ،وبين ذلك أيضاً في مواضع كثيرة ،كقوله{وَمَآ أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [ يوسف:103] وقوله{وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن في الأرْضِ يُضِلُّوكَ} [ الأنعام: 116] ،وقوله:{وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأوَّلِينَ} [ الصافات: 71] ،وقوله:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لأَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ} [ الشعراء: 8] إلى غير ذلك من الآيات .