يقول تعالى:( ويستعجلونك ) أي:هؤلاء المكذبون ( بالسيئة قبل الحسنة ) أي:بالعقوبة ، كما أخبر عنهم في قوله:( وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين ) [ الحجر:6 - 8] وقال تعالى:( ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ) [ العنكبوت:53 ، 54] وقال:( سأل سائل بعذاب واقع ) [ المعارج:1] وقال:( يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ) [ الشورى:18] ( وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب ) أي:حسابنا وعقابنا ، كما قال مخبرا عنهم:( وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ) [ الأنفال:32] فكانوا يطلبون من الرسول أن يأتيهم بعذاب الله ، وذلك من شدة تكذيبهم وكفرهم وعنادهم .
قال الله تعالى:( وقد خلت من قبلهم المثلات ) أي:قد أوقعنا نقمتنا بالأمم الخالية وجعلناهم مثلة وعبرة وعظة لمن اتعظ بهم .
ثم أخبر تعالى أنه لولا حلمه وعفوه [ وغفره] لعاجلهم بالعقوبة ، كما قال تعالى:( ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ) [ فاطر:45] .
وقال تعالى في هذه الآية الكريمة:( وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم ) أي:إنه ذو عفو وصفح وستر للناس مع أنهم يظلمون ويخطئون بالليل والنهار . ثم قرن هذا الحكم بأنه شديد العقاب ، ليعتدل الرجاء والخوف ، كما قال تعالى:( فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين ) [ الأنعام:147] وقال:( إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم ) [ الأعراف:167] وقال:( نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم ) [ الحجر:49 ، 50] إلى أمثال ذلك من الآيات التي تجمع الرجاء والخوف .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب قال:لما نزلت هذه الآية:( وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب ) قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم:"لولا عفو الله وتجاوزه ، ما هنأ أحدا العيش ولولا وعيده وعقابه ، لاتكل كل أحد ".
وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة الحسن بن عثمان أبي حسان الزيادي:أنه رأى رب العزة في النوم - ورسول الله صلى الله عليه وسلم - واقف بين يديه يشفع في رجل من أمته ، فقال له:ألم يكفك أني أنزلت عليك في سورة الرعد:( وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم ) ؟ قال:ثم انتبهت .