قوله تعالى:{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ} الآية .
المراد بالسيئة هنا: العقوبة وإنزال العذاب قبل الحسنة ،أي قبل العافية ،وقيل الإيمان ،وقد بين تعالى في هذه الآية أن الكفار يطلبون منه صلى الله عليه وسلم أن يعجل لهم العذاب الذي يخوفهم به إن تمادوا على الكفر ،وقد بين هذا المعنى في آيات كثيرة ،كقوله:{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} [ الحج: 47] ،وكقوله:{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} [ العنكبوت: 53] ،وكقوله:{يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}[ العنكبوت: 53] ،وقوله:{سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِّلْكَافِرِينَ} [ المعارج:2] ،وقوله:{وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ} [ الأنفال: 32] الآية .
وقوله:{يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ} [ الشورى: 18] ،وقوله:{وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} [ ص:16] إلى غير ذلك من الآيات .
وسبب طلبهم لتعجيل العذاب هو العناد ،وزعم أن النَّبي صلى الله عليه وسلم كاذب فيما يخوفهم به من بأس الله وعقابه ،كما قال تعالى:{وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ} ،وكقوله:{فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَا صَالحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [ الأعراف: 77] ،وقوله:{قَالُواْ يا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [ هود: 32] ،كما تقدمت الإشارة إلى هذا .
والمثلاث: العقوبات واحدتها مثلة .
والمعنى: أنهم يطلبون تعجيل العذاب تمرداً وطغياناً ،ولم يتعظوا بما أوقع الله بالأمم السالفة من المثلاثأي العقوباتكما فعل بقوم نوح ،وقوم هود ،وقوم صالح ،وقوم لوط ،وقوم شعيب ،وفرعون وقومه وغيرهم .
قوله تعالى:{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ} .
بينجل وعلافي هذه الآية الكريمة أنه ذو مغفرة للناس على ظلمهم ،وأنه شديد العقاب ؛فجمع بين الوعد والوعيد ليعظم رجاء الناس في فضله ،ويشتد خوفهم من عقابه وعذابه الشديد ؛لأن مطامع العقلاء محصورة في جلب النفع ودفع الضر ،فاجتماع الخوف والطمع أدعى للطاعة وقد بين هذا المعنى في آيات كثيرة ،كقوله تعالى:{فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [ الأنعام: 147] ،وقوله:{إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}[ الأنعام: 165] ،وقوله جلا وعلا:{نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّى أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الألِيمُ} ،وقوله:{غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذي الطَّوْلِ} [ غافر:3] .إلى غير ذلك من الآيات .