وقوله:( إذا رأتهم ) أي:جهنم ( من مكان بعيد ) يعني:في مقام المحشر . قال السدي:من مسيرة مائة عام ( سمعوا لها تغيظا وزفيرا ) أي:حنقا عليهم ، كما قال تعالى:( إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور تكاد تميز من الغيظ ) [ الملك:7 ، 8] أي:يكاد ينفصل بعضها من بعض; من شدة غيظها على من كفر بالله .
قال ابن أبي حاتم:حدثنا إدريس بن حاتم بن الأخيف الواسطي:أنه سمع محمد بن الحسن الواسطي ، عن أصبغ بن زيد ، عن خالد بن كثير ، عن خالد بن دريك ، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من يقل علي ما لم أقل ، أو ادعى إلى غير والديه ، أو انتمى إلى غير مواليه ، فليتبوأ [ مقعده من النار ". وفي رواية:"فليتبوأ] بين عيني جهنم مقعدا "قيل:يا رسول الله ، وهل لها من عينين؟ قال:"أما سمعتم الله يقول:( إذا رأتهم من مكان بعيد ) الآية .
ورواه ابن جرير ، عن محمد بن خداش ، عن محمد بن يزيد الواسطي ، به .
وقال أيضا:حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطنافسي ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن عيسى بن سليم ، عن أبي وائل قال:خرجنا مع عبد الله - يعني:ابن مسعود - ومعنا الربيع بن خثيم فمروا على حداد ، فقام عبد الله ينظر إلى حديدة في النار ، ونظر الربيع بن خثيم إليها فتمايل ليسقط ، فمر عبد الله على أتون على شاطئ الفرات ، فلما رآه عبد الله والنار تلتهب في جوفه قرأ هذه الآية:( إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا ) فصعق - يعني:الربيع بن خثيم - فحملوه إلى أهل بيته ورابطه عبد الله إلى الظهر فلم يفق ، رضي الله عنه .
وحدثنا أبي:حدثنا عبد الله بن رجاء ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال:إن العبد ليجر إلى النار ، فتشهق إليه شهقة البغلة إلى الشعير ، ثم تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف .
هكذا رواه ابن أبي حاتم مختصرا ، وقد رواه الإمام أبو جعفر بن جرير:
حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، أخبرنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال:إن الرجل ليجر إلى النار ، فتنزوي وتنقبض بعضها إلى بعض ، فيقول لها الرحمن:ما لك؟ قالت:إنه يستجير مني . فيقول:أرسلوا عبدي . وإن الرجل ليجر إلى النار ، فيقول:يا رب ، ما كان هذا الظن بك؟ فيقول:فما كان ظنك؟ فيقول:أن تسعني رحمتك . فيقول:أرسلوا عبدي ، وإن الرجل ليجر إلى النار ، فتشهق إليه النار شهوق البغلة إلى الشعير ، وتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف . وهذا إسناد صحيح .
وقال عبد الرزاق:أخبرنا معمر ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن عبيد بن عمير في قوله:( سمعوا لها تغيظا وزفيرا ) قال:إن جهنم تزفر زفرة ، لا يبقى ملك ولا نبي إلا خر ترعد فرائصه ، حتى إن إبراهيم عليه السلام ، ليجثو على ركبتيه ويقول:رب ، لا أسألك اليوم إلا نفسي .