يقول تعالى لهذه الأمة:( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك ) ، فذكر أول الرسل بعد آدم وهو نوح ، عليه السلام وآخرهم وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - ثم ذكر من بين ذلك من أولي العزم وهم:إبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم ، عليهم السلام . وهذه الآية انتظمت ذكر الخمسة كما اشتملت آية "الأحزاب "عليهم في قوله:( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم ) الآية [ الأحزاب:7] . والدين الذي جاءت به الرسل كلهم هو:عبادة الله وحده لا شريك له ، كما قال:( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) [ الأنبياء:25] . وفي الحديث:"نحن معشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد "أي:القدر المشترك بينهم هو عبادة الله وحده لا شريك له ، وإن اختلفت شرائعهم ومناهجهم ، كقوله تعالى:( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) [ المائدة:48] ; ولهذا قال هاهنا:( أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ) أي:وصى الله [ سبحانه و] تعالى جميع الأنبياء ، عليهم السلام ، بالائتلاف والجماعة ، ونهاهم عن الافتراق والاختلاف .
وقوله:( كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ) أي:شق عليهم وأنكروا ما تدعوهم إليه يا محمد من التوحيد .
ثم قال:( الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب ) أي:هو الذي يقدر الهداية لمن يستحقها ، ويكتب الضلالة على من آثرها على طريق الرشد ; ولهذا قال: