ثم إنه تعالى لما ذم الظلم وأهله وشرع القصاص ، قال نادبا إلى العفو والصفح:( ولمن صبر وغفر ) أي:صبر على الأذى وستر السيئة ، ( إن ذلك لمن عزم الأمور )
قال سعيد بن جبير:[ يعني] لمن حق الأمور التي أمر الله بها ، أي:لمن الأمور المشكورة والأفعال الحميدة التي عليها ثواب جزيل وثناء جميل .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا عمران بن موسى الطرسوسي ، حدثنا عبد الصمد بن يزيد - خادم الفضيل بن عياض - قال:سمعت الفضيل بن عياض يقول إذا أتاك رجل يشكو إليك رجلا فقل:"يا أخي ، اعف عنه ". فإن العفو أقرب للتقوى ، فإن قال:لا يحتمل قلبي العفو ، ولكن أنتصر كما أمرني الله عز وجل . فقل له إن كنت تحسن أن تنتصر وإلا فارجع إلى باب العفو ، فإنه باب واسع ، فإنه من عفا وأصلح فأجره على الله ، وصاحب العفو ينام على فراشه بالليل ، وصاحب الانتصار يقلب الأمور .
وقال الإمام أحمد:حدثنا يحيى - يعني ابن سعيد القطان - عن ابن عجلان ، حدثنا سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه أن رجلا شتم أبا بكر والنبي - صلى الله عليه وسلم - جالس ، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يعجب ويتبسم ، فلما أكثر رد عليه بعض قوله ، فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقام ، فلحقه أبو بكر فقال:يا رسول الله إنه كان يشتمني وأنت جالس ، فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت ! قال:"إنه كان معك ملك يرد عنك ، فلما رددت عليه بعض قوله حضر الشيطان ، فلم أكن لأقعد مع الشيطان ". ثم قال:"يا أبا بكر ، ثلاث كلهن حق ، ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله ، إلا أعز الله بها نصره ، وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة ، إلا زاده الله بها كثرة ، وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة ، إلا زاده الله بها قلة "
وكذا رواه أبو داود ، عن عبد الأعلى بن حماد ، عن سفيان بن عيينة - قال:ورواه صفوان بن عيسى ، كلاهما عن محمد بن عجلان ورواه من طريق الليث ، عن سعيد المقبري ، عن بشير بن المحرر ، عن سعيد بن المسيب مرسلا .
وهذا الحديث في غاية الحسن في المعنى ، وهو سبب سبه للصديق .