{ ولمن صبر} أي على الأذى{ وغفر} أي لمن ظلمه ولم ينتصر{ إن ذلك لمن عزم الأمور} أي التي ندب الله عباده ،وعزم عليهم العمل بها .
تنبيه:
نقل السيوطيّ في ( الإكليل ) عن الكيا الهراسيّ أنه قال:قد ندب الله إلى العفو في مواضع من كتابه ،وظاهر هذه الآية{ والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} أن الانتصار أفضل .قال ،وهو محمول على من تعدى وأصرّ ،لئلا يتجرأ الفساق على أهل الدين .وآيات العفو فيمن ندم وأقلع .انتهى .وعجيب فهمه الأفضلية من الآية ،فإنها لا تدل عليه ،عبارة ولا إشارة .فإنه تعالى لم يرغب في الانتصار .وإنما بين أنه مشروع لهم إذا شاءوا .ثم بين بعده أن مشروعيته بشرط رعاية المماثلة .ثم بين أن العفو أولى ،وهو الذي انتهى إليه الكلام ،وتم به السياق .وكذلك لا حاجة إلى حمل الانتصار على من تعدى .وذلك لأن الانتصار بالمثل من فروع علم العقوبات والجزاء المشروعة لإقامة الحق والعدل ،ودفع الظلم عن النفس والصغار ،ورفع الأحقاد والأضغان .وأما العفو والصفح ،فذاك من فروع علم الأخلاق وتهذيب النفوس .لأنه من باب المسامحة بالحق وإسقاط المستحق ،رغبة في تزكية النفس وهضما لها وحرصا على خير الأمرين وأوفر الأجرين .وكلاهما من محاسن الشريعة الحنيفية ،وتوسطها بين الاقتصاص البتة والعفو كليا ،لأن العقل السليم يرى فيهما إفراطا وتفريطا .والدين دين الفطرة .وهي تتقاضى القصاص بالمثل ،وتراه حقا لها بجبلّتها والقضاء الأدبيّ والوازع الرحمانيّ يرشدها إلى ما هو أمثل إن شاءت ،ويبرهن لها أمثليته ،/ مما لا يبعد ،إذا راجعت نفسها وثابت إلى رشدها ،أن تؤثره ولا تؤثر عليه .كيف ؟ وقد دل قوله تعالى{ إنه لا يحب الظالمين} كما قال الزمخشريّ ،على أن الانتصار لا يكاد يؤمن فيه تجاوز السيئة والاعتداء ،خصوصا في حال الحرد والتهاب الحمية .فربما كان المجازي من الظالمين وهو لا يشعر .