يقول تعالى:وكما أوحينا إلى الأنبياء قبلك ، ( أوحينا إليك قرآنا عربيا ) أي:واضحا جليا بينا ، ( لتنذر أم القرى ) وهي مكة ، ( ومن حولها ) أي:من سائر البلاد شرقا وغربا ، وسميت مكة "أم القرى "; لأنها أشرف من سائر البلاد ، لأدلة كثيرة مذكورة في مواضعها . ومن أوجز ذلك وأدله ما قال الإمام أحمد:
حدثنا أبو اليمان ، حدثنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرنا أبو سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الله بن عدي بن الحمراء الزهري أخبره:أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول - وهو واقف بالحزورة في سوق مكة -:"والله ، إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت ".
وهكذا رواية الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، من حديث الزهري ، به وقال الترمذي:حسن صحيح .
وقوله:( وتنذر يوم الجمع ) ، وهو يوم القيامة ، يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد .
وقوله:( لا ريب فيه ) أي:لا شك في وقوعه ، وأنه كائن لا محالة . وقوله:( فريق في الجنة وفريق في السعير ) ، كقوله:( يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ) [ التغابن:9] أي:يغبن أهل الجنة أهل النار ، وكقوله تعالى:( ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لأجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد ) [ هود:103 - 105] .
قال الإمام أحمد:حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا ليث ، حدثني أبو قبيل المعافري ، عن شفي الأصبحي ، عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال:خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي يده كتابان ، فقال:"أتدرون ما هذان الكتابان ؟ "قال:قلنا:لا إلا أن تخبرنا يا رسول الله قال للذي في يده اليمنى:"هذا كتاب من رب العالمين ، بأسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ، ثم أجمل على آخرهم - لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا "ثم قال للذي في يساره:"هذا كتاب أهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم ، ثم أجمل على آخرهم - لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا "فقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:فلأي شيء إذا نعمل إن كان هذا أمرا قد فرغ منه ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"سددوا وقاربوا ، فإن صاحب الجنة يختم له بعمل الجنة ، وإن عمل أي عمل ، وإن صاحب النار يختم له بعمل النار ، وإن عمل أي عمل "ثم قال بيده فقبضها ، ثم قال:"فرغ ربكم عز وجل من العباد "ثم قال باليمنى فنبذ بها فقال:"فريق في الجنة "، ونبذ باليسرى فقال:"فريق في السعير "
وهكذا رواه الترمذي والنسائي جميعا ، عن قتيبة عن الليث بن سعد وبكر بن مضر ، كلاهما عن أبي قبيل ، عن شفي بن ماتع الأصبحي ، عن عبد الله بن عمرو ، به .
وقال الترمذي:حسن صحيح غريب .
وساقه البغوي في تفسيره من طريق بشر بن بكر ، عن سعيد بن عثمان ، عن أبي الزاهرية ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره بنحوه . وعنده زيادات منها:ثم قال:"فريق في الجنة وفريق في السعير ، عدل من الله عز وجل ".
ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه ، عن عبد الله بن صالح - كاتب الليث - عن الليث ، به .
ورواه ابن جرير عن يونس ، عن ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن أبي قبيل ، عن شفي ، عن رجل من الصحابة ، فذكره .
ثم روي عن يونس ، عن ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث وحيوة بن شريح ، عن يحيى بن أبي أسيد ; أن أبا فراس حدثه:أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول:إن الله لما خلق آدم نفضه نفض المزود ، وأخرج منه كل ذريته ، فخرج أمثال النغف ، فقبضهم قبضتين ، ثم قال:شقي وسعيد ، ثم ألقاهما ، ثم قبضهما فقال:( فريق في الجنة ، وفريق في السعير .
وهذا الموقوف أشبه بالصواب ، والله أعلم .
وقال الإمام أحمد ، رحمه الله:حدثنا عبد الصمد ، حدثنا حماد - يعني ابن سلمة - أخبرنا الجريري ، عن أبي نضرة ، أن رجلا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقال له:أبو عبد الله - دخل عليه أصحابه يعودونه وهو يبكي ، فقالوا له:ما يبكيك ؟ ألم يقل لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"خذ من شاربك ثم أقره حتى تلقاني "قال:بلى ، ولكن سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"إن الله قبض بيمينه قبضة ، وأخرى باليد الأخرى ، قال:هذه لهذه ، وهذه لهذه ولا أبالي "فلا أدري في أي القبضتين أنا .
وأحاديث القدر في الصحاح والسنن والمسانيد كثيرة جدا ، منها حديث علي ، وابن مسعود ، وعائشة ، وجماعة جمة .