يقول تعالى:( قل ) يا محمد:( إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ) أي:لو فرض هذا لعبدته على ذلك لأني عبد من عبيده ، مطيع لجميع ما يأمرني به ، ليس عندي استكبار ولا إباء عن عبادته ، فلو فرض كان هذا ، ولكن هذا ممتنع في حقه تعالى ، والشرط لا يلزم منه الوقوع ولا الجواز أيضا ، كما قال تعالى:( لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار ) [ الزمر:4] .
[ و] قال بعض المفسرين في قوله:( فأنا أول العابدين ) أي:الآنفين . ومنهم سفيان الثوري ، والبخاري حكاه فقال:ويقال:( أول العابدين ) الجاحدين ، من عبد يعبد .
وذكر ابن جرير لهذا القول من الشواهد ما رواه عن يونس بن عبد الأعلى ، عن ابن وهب ، حدثني ابن أبي ذئب ، عن أبي قسيط ، عن بعجة بن زيد الجهني ; أن امرأة منهم دخلت على زوجها - وهو رجل منهم أيضا - فولدت له في ستة أشهر ، فذكر ذلك زوجها لعثمان بن عفان - رضي الله عنه - فأمر بها أن ترجم ، فدخل عليه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فقال:إن الله يقول في كتابه:( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) [ الأحقاف:15] ، وقال ( وفصاله في عامين ) [ لقمان:14] ، قال:فوالله ما عبد عثمان - رضي الله عنه - أن بعث إليها ترد - قال يونس:قال ابن وهب:عبد:استنكف .
[ و] قال الشاعر:
متى ما يشأ ذو الود يصرم خليله ويعبد عليه لا محالة ظالما
وهذا القول فيه نظر ; لأنه كيف يلتئم مع الشرط فيكون تقديره:إن كان هذا فأنا ممتنع منه ؟ هذا فيه نظر ، فليتأمل . اللهم إلا أن يقال:"إن "ليست شرطا ، وإنما هي نافية كما قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله:( قل إن كان للرحمن ولد ) ، يقول:لم يكن للرحمن ولد فأنا أول الشاهدين .
وقال قتادة:هي كلمة من كلام العرب:( قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ) أي:إن ذلك لم يكن فلا ينبغي .
وقال أبو صخر:( قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ) أي:فأنا أول من عبده بأن لا ولد له ، وأول من وحده . وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم .
وقال مجاهد:( فأنا أول العابدين ) أي:أول من عبده ووحده وكذبكم .
وقال البخاري:( فأنا أول العابدين ) الآنفين . وهما لغتان ، رجل عابد وعبد .
والأول أقرب على أنه شرط وجزاء ، ولكن هو ممتنع .
وقال السدي [ في قوله] ( قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ) يقول:لو كان له ولد كنت أول من عبده ، بأن له ولدا ، لكن لا ولد له . وهو اختيار ابن جرير ، ورد قول من زعم أن "إن "نافية .