التّفسير
ذرهم في خوضهم يلعبون:
لما كان البحث في الآيات السابقةوخاصة في بداية السورةعن مشركي العرب واعتقادهم بأنّ لله ولداً ،وأنّهم كانوا يظنون الملائكة بنات الله ،ولما مر البحث في عدة آيات مضت عن المسيح( عليه السلام ) ودعوته إلى الوحدانية الخالصة والعبودية لله وحده ،فقد ورد البحث في هذه الآيات في نفي هذه العقائد الفاسدة عن طريق آخر .
تقول الآية: ( قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ) لأن إيماني بالله أقوى من إيمانكم جميعاً ،ومعرفتي به أكبر ،وعليه فيجب أن أعظّم ولده وأطيعه قبلكم .
وبالرغم من أنّ مضمون هذه الآية بدا معقداً لجماعة من المفسّرين ،فذكروا توجيهات مختلفة له كان بعضها عجيباً جدّاً{[4251]} ،لكن لا يوجد في الواقع أي تعقيد في محتوى الآية ،وهذا الأسلوب الرائع يستعمل مع الأفراد العنودين المتعصبين ،كما لو قال شخص: إن فلاناً أعلم من الجميع ،في حين أنّه لا يعلم شيئاً ،فيقال له: إذا كان هو الأعلم فأنا أوّل من يتبعه ،وذلك ليبذل القائل جهده في البحث عن دليل يدعم به مدعاه ،وعندما يصطدم بصخرة الواقع يستيقظ من غفلته .
غاية ما في الأمر أنّ هناك نكتتين يجب الإِلتفات إليهما:
الأولى: أنّ العبادة لا تعني العبادة في كل الموارد ،فقد تأتي أحياناً بمعنى الطاعة والتعظيم والإِحترام ،وهي هنا بهذا المعنى ،فعلى فرض أن لله ولداًوهو فرض محالفلا دليل على عبادته ،لكنّه لما كانطبقاً لهذا الفرضابن الله فيجب أن يكون مورد احترام وتقدير وطاعة .
والأُخرى: أنّ ( لو ) تستعمل بدل ( أن ) في مثل هذه الموارد عادة في أدب العرب ،وهي تدل على كون الشيء مستحيلاً ،وإنّما لم تستعمل في الآيةمورد البحثمماشاة وانسجاماً في الكلام مع الطرف المقابل .
وعلى هذا ،فإنّ النّبي الأكرم( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول: لو كان لله ولد لبادرت قبلكم إلى احترامه وتعظيمه ،ليطمئن هؤلاء من استحالة أن يكون لله ولد .
/خ85