وقوله:( نحن جعلناها تذكرة ) قال مجاهد ، وقتادة:أي تذكر النار الكبرى .
قال قتادة:ذكر لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"يا قوم ، ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ". قالوا:يا رسول الله إن كانت لكافية ! قال:"قد ضربت بالماء ضربتين - أو:مرتين - حتى يستنفع بها بنو آدم ويدنوا منها ".
وهذا الذي أرسله قتادة رواه الإمام أحمد في مسنده ، فقال:
حدثنا سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:"إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ، وضربت بالبحر مرتين ، ولولا ذلك ما جعل الله فيها منفعة لأحد ".
وقال الإمام مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"نار بني آدم التي يوقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ". فقالوا:يا رسول الله إن كانت لكافية فقال:"إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا ".
رواه البخاري من حديث مالك ، ومسلم من حديث أبي الزناد ، ورواه مسلم من حديث عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة به . وفي لفظ:"والذي نفسي بيده لقد فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها ".
وقال أبو القاسم الطبراني:حدثنا أحمد بن عمرو الخلال ، حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ، حدثنا معن بن عيسى القزاز ، عن مالك ، عن عمه أبي السهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"أتدرون ما مثل ناركم هذه من نار جهنم ؟ لهي أشد سوادا من [ دخان] ناركم هذه بسبعين ضعفا ".
قال الضياء المقدسي:وقد رواه ابن مصعب عن مالك ، ولم يرفعه ، وهو عندي على شرط الصحيح .
وقوله:( ومتاعا للمقوين ) قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، والنضر بن عربي:معنى ) للمقوين ) المسافرين ، واختاره ابن جرير ، وقال:ومنه قولهم:"أقوت الدار إذا رحل أهلها ".
وقال غيره:القي والقواء:القفر الخالي البعيد من العمران .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم:المقوي هنا الجائع .
وقال ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد:( ومتاعا للمقوين ) للحاضر والمسافر ، لكل طعام لا يصلحه إلا النار . وكذا روى سفيان ، عن جابر الجعفي ، عن مجاهد .
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله:( للمقوين ) المستمتعين الناس أجمعين . وكذا ذكر عن عكرمة .
وهذا التفسير أعم من غيره ، فإن الحاضر والبادي من غني وفقير الكل محتاجون للطبخ والاصطلاء والإضاءة وغير ذلك من المنافع . ثم من لطف الله تعالى أن أودعها في الأحجار ، وخالص الحديد بحيث يتمكن المسافر من حمل ذلك في متاعه وبين ثيابه ، فإذا احتاج إلى ذلك في منزله أخرج زنده وأورى ، وأوقد ناره فأطبخ بها واصطلى ، واشتوى واستأنس بها ، وانتفع بها سائر الانتفاعات . فلهذا أفرد المسافرون وإن كان ذلك عاما في حق الناس كلهم . وقد يستدل له بما رواه الإمام أحمد وأبو داود من حديث أبي خداش حبان بن زيد الشرعبي الشامي ، عن رجل من المهاجرين من قرن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"المسلمون شركاء في ثلاثة:النار والكلأ والماء ".
وروى ابن ماجه بإسناد جيد عن أبي هريرة قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"ثلاث لا يمنعن:الماء والكلأ والنار ".
وله من حديث ابن عباس مرفوعا مثل هذا وزيادة وثمنه ولكن في إسناده عبدالله بن خراش بن حوشب وهو ضعيف والله أعلم.