( وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ) قال بعضهم:يعني:وتجعلون رزقكم بمعنى شكركم أنكم تكذبون ، أي:تكذبون بدل الشكر .
وقد روي عن علي ، وابن عباس أنهما قرآها:"وتجعلون شكركم أنكم تكذبون "كما سيأتي .
وقال ابن جرير:وقد ذكر عن الهيثم بن عدي:أن من لغة أزد شنوءة:ما رزق فلان بمعنى:ما شكر فلان .
وقال الإمام أحمد:حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا إسرائيل ، عن عبد الأعلى ، عن أبي عبد الرحمن ، عن علي - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:( وتجعلون رزقكم ) يقول:"شكركم ( أنكم تكذبون ) تقولون:مطرنا بنوء كذا وكذا ، بنجم كذا وكذا ".
وهكذا رواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن مخول بن إبراهيم النهدي - وابن جرير ، عن محمد بن المثنى ، عن عبيد الله بن موسى ، وعن يعقوب بن إبراهيم ، عن يحيى بن أبي بكير ، ثلاثتهم عن إسرائيل به مرفوعا . وكذا رواه الترمذي ، عن أحمد بن منيع ، عن حسين بن محمد - وهو المروزي - به ، وقال:"حسن غريب ". وقد رواه سفيان ، عن عبد الأعلى ، ولم يرفعه .
وقال ابن جرير:حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال:ما مطر قوم قط إلا أصبح بعضهم كافرا يقولون:مطرنا بنوء كذا وكذا . وقرأ ابن عباس:"وتجعلون شكركم أنكم تكذبون ".
وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس .
وقال مالك في الموطأ ، عن صالح بن كيسان ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن زيد بن خالد الجهني أنه قال:صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية في أثر سماء كانت من الليل ، فلما انصرف أقبل على الناس فقال:"هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ "قالوا:الله ورسوله أعلم . "قال:أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فأما من قال:مطرنا بفضل الله ورحمته ، فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب ، وأما من قال:مطرنا بنوء كذا وكذا . فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب ".
أخرجاه في الصحيحين ، وأبو داود ، والنسائي ، كلهم من حديث مالك به .
وقال مسلم:حدثنا محمد بن سلمة المرادي ، وعمرو بن سواد ، حدثنا عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث أن أبا يونس حدثه ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"ما أنزل الله من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين ، ينزل الغيث ، فيقولون:بكوكب كذا وكذا ".
تفرد به مسلم من هذا الوجه .
وقال ابن جرير:حدثني يونس ، أخبرنا سفيان ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"إن الله ليصبح القوم بالنعمة أو يمسيهم بها فيصبح بها قوم كافرين يقولون:مطرنا بنوء كذا وكذا ". قال محمد - هو ابن إبراهيم -:فذكرت هذا الحديث لسعيد بن المسيب ، فقال:ونحن قد سمعنا من أبي هريرة ، وقد أخبرني من شهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو يستسقي ، فلما استسقى التفت إلى العباس فقال:يا عباس ، يا عم رسول الله ، كم بقي من نوء الثريا ؟ فقال:العلماء يزعمون أنها تعترض في الأفق بعد سقوطها سبعا . قال:فما مضت سابعة حتى مطروا .
وهذا محمول على السؤال عن الوقت الذي أجرى الله فيه العادة بإنزال المطر ، لا أن ذلك النوء يؤثر بنفسه في نزول المطر ; فإن هذا هو المنهي عن اعتقاده . وقد تقدم شيء من هذه الأحاديث عند قوله:( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها ) [ فاطر:2] .
وقال ابن جرير:حدثني يونس ، أخبرنا سفيان ، عن إسماعيل بن أمية - أحسبه أو غيره - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا - ومطروا - يقول:مطرنا ببعض عشانين الأسد . فقال:"كذبت ! بل هو رزق الله ".
ثم قال ابن جرير:حدثني أبو صالح الصراري ، حدثنا أبو جابر محمد بن عبد الملك الأزدي ، حدثنا جعفر بن الزبير ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"ما مطر قوم من ليلة إلا أصبح قوم بها كافرين ". ثم قال:"( وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ) يقول قائل:مطرنا بنجم كذا وكذا ".
وفي حديث عن أبي سعيد مرفوعا:"لو قحط الناس سبع سنين ثم مطروا لقالوا:مطرنا بنوء المجدح ".
وقال مجاهد:( وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ) قال:قولهم في الأنواء:مطرنا بنوء كذا ، وبنوء كذا ، يقول:قولوا:هو من عند الله ، وهو رزقه ، وهكذا قال الضحاك وغير واحد .
وقال قتادة:أما الحسن فكان يقول:بئس ما أخذ قوم لأنفسهم لم يرزقوا من كتاب الله إلا التكذيب . فمعنى قول الحسن هذا:وتجعلون حظكم من كتاب الله أنكم تكذبون به ; ولهذا قال قبله:( أفبهذا الحديث أنتم مدهنون وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون )