قال الله تعالى:( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) أي:هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك ، له ، ولم يشركوا به شيئا هم الآمنون يوم القيامة ، المهتدون في الدنيا والآخرة .
قال البخاري:حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن سليمان ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال:لما نزلت ( ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) قال أصحابه:وأينا لم يظلم نفسه؟ فنزلت:( إن الشرك لظلم عظيم ) [ لقمان:13]
وقال الإمام أحمد:حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال:لما نزلت هذه الآية:( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) شق ذلك على الناس وقالوا:يا رسول الله ، فأينا لا يظلم نفسه؟ قال:"إنه ليس الذي تعنون! ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح:( يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ) إنما هو الشرك "
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا وكيع وابن إدريس ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال:لما نزلت:( ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) شق ذلك على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قالوا:وأينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"ليس كما تظنون ، إنما قال [ لقمان] لابنه:( يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم )
وحدثنا عمر بن شبة النمري ، حدثنا أبو أحمد ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله:( ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) قال:"بشرك ".
قال:وروي عن أبي بكر الصديق وعمر وأبي بن كعب وسلمان وحذيفة وابن عباس وابن عمر وعمرو بن شرحبيل وأبي عبد الرحمن السلمي ومجاهد وعكرمة والنخعي والضحاك وقتادة والسدي نحو ذلك .
وقال ابن مردويه:حدثنا الشافعي ، حدثنا محمد بن شداد المسمعي ، حدثنا أبو عاصم ، حدثنا سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال:لما نزلت:( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"قيل لي:أنت منهم "
وقال الإمام أحمد:حدثنا إسحاق بن يوسف ، حدثنا أبو جناب ، عن زاذان عن جرير بن عبد الله قال:خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:فلما برزنا من المدينة ، إذا راكب يوضع نحونا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"كأن هذا الراكب إياكم يريد ". فانتهى إلينا الرجل ، فسلم فرددنا عليه فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -:"من أين أقبلت؟ "قال:من أهلي وولدي وعشيرتي . قال:"فأين تريد؟ "، قال:أريد رسول الله . قال:"فقد أصبته ". قال:يا رسول الله ، علمني ما الإيمان؟ قال:"تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت ". قال:قد أقررت . قال:ثم إن بعيره دخلت يده في شبكة جرذان ، فهوى بعيره وهوى الرجل ، فوقع على هامته فمات ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"علي بالرجل ". فوثب إليه عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان فأقعداه ، فقالا يا رسول الله ، قبض الرجل! قال:فأعرض عنهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم قال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:أما رأيتما إعراضي عن الرجل ، فإني رأيت ملكين يدسان في فيه من ثمار الجنة ، فعلمت أنه مات جائعا "، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"هذا من الذين قال الله ، عز وجل:( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) ثم قال:"دونكم أخاكم ". قال:فاحتملناه إلى الماء فغسلناه وحنطناه وكفناه ، وحملناه إلى القبر ، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى جلس على شفير القبر فقال:"الحدوا ولا تشقوا ، فإن اللحد لنا والشق لغيرنا
ثم رواه أحمد ، عن أسود بن عامر ، عن عبد الحميد بن جعفر الفراء ، عن ثابت ، عن زاذان ، عن جرير بن عبد الله ، فذكر نحوه ، وقال فيه:"هذا ممن عمل قليلا وأجر كثيرا "
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا يوسف بن موسى القطان ، حدثنا مهران بن أبي عمر حدثنا علي بن عبد الأعلى عن أبيه ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسير ساره ، إذ عرض له أعرابي فقال:يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق ، لقد خرجت من بلادي وتلادي ومالي لأهتدي بهداك ، وآخذ من قولك ، وما بلغتك حتى ما لي طعام إلا من خضر الأرض ، فاعرض علي . فعرض عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقبل فازدحمنا حوله ، فدخل خف بكره في بيت جرذان ، فتردى الأعرابي ، فانكسرت عنقه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:صدق والذي بعثني بالحق ، لقد خرج من بلاده وتلاده وماله ليهتدي بهداي ويأخذ من قولي ، وما بلغني حتى ما له طعام إلا من خضر الأرض ، أسمعتم بالذي عمل قليلا وأجر كثيرا هذا منهم! أسمعتم بالذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون؟ فإن هذا منهم "[ وروى ابن مردويه من حديث محمد بن معلى - وكان نزل الري - حدثنا زياد بن خيثمة ، عن أبي داود ، عن عبد الله بن عمر قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"من أعطي فشكر ومنع فصبر وظلم فاستغفر وظلم فغفر "وسكت ، قالوا:يا رسول الله ما له؟ قال ":( أولئك لهم الأمن وهم مهتدون )]
وقوله:( وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه ) أي:وجهنا حجته على قومه .
قال مجاهد وغيره:يعني بذلك قوله:( وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن [ إن كنتم تعلمون] ) وقد صدقه الله ، وحكم له بالأمن والهداية فقال:( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون )