وقوله:( والشفع والوتر ) قد تقدم في هذا الحديث أن الوتر يوم عرفة ، لكونه التاسع ، وأن الشفع يوم النحر لكونه العاشر . وقاله ابن عباس ، وعكرمة ، والضحاك أيضا .
قول ثان:وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثني عقبة بن خالد ، عن واصل بن السائب قال:سألت عطاء عن قوله:( والشفع والوتر ) قلت:صلاتنا وترنا هذا ؟ قال:لا ولكن الشفع يوم عرفة ، والوتر ليلة الأضحى .
قول ثالث:قال ابن أبي حاتم:حدثنا محمد بن عامر بن إبراهيم الأصبهاني ، حدثني أبي ، عن النعمان - يعني ابن عبد السلام - عن أبي سعيد بن عوف ، حدثني بمكة قال:سمعت عبد الله بن الزبير يخطب الناس ، فقام إليه رجل فقال:يا أمير المؤمنين ، أخبرني عن الشفع والوتر . فقال:الشفع قول الله ، - عز وجل -:( فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ) والوتر قوله:( ومن تأخر فلا إثم عليه ) [ البقرة:203] .
وقال ابن جريج:أخبرني محمد بن المرتفع أنه سمع ابن الزبير يقول:الشفع أوسط أيام التشريق ، والوتر آخر أيام التشريق .
وفي الصحيحين من رواية أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إن لله تسعة وتسعين اسما ، مائة إلا واحدا ، من أحصاها دخل الجنة ، وهو وتر يحب الوتر ".
قول رابع:قال الحسن البصري ، وزيد بن أسلم:الخلق كلهم شفع ، ووتر ، أقسم تعالى بخلقه . وهو رواية عن مجاهد ، والمشهور عنه الأول .
وقال العوفي ، عن ابن عباس:( والشفع والوتر ) قال:الله وتر واحد ، وأنتم شفع . ويقال:الشفع صلاة الغداة ، والوتر:صلاة المغرب .
قول خامس:قال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا عبيد بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد:( والشفع والوتر ) قال:الشفع الزوج ، والوتر:الله - عز وجل - .
وقال أبو عبد الله ، عن مجاهد:الله الوتر ، وخلقه الشفع ، الذكر والأنثى .
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله:( والشفع والوتر ) كل شيء خلقه الله شفع ، السماء والأرض ، والبر والبحر ، والجن والإنس ، والشمس والقمر ، ونحو هذا . ونحا مجاهد في هذا ما ذكروه في قوله تعالى:( ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ) [ الذاريات:49] أي:لتعلموا أن خالق الأزواج واحد .
قول سادس:قال قتادة ، عن الحسن:( والشفع والوتر ) هو العدد ، منه شفع ومنه وتر .
قول سابع:في الآية الكريمة رواه ابن أبي حاتم وابن جرير من طريق ابن جريج ، ثم قال ابن جرير:وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خبر يؤيد القول الذي ذكرنا عن أبي الزبير:حدثني عبد الله بن أبي زياد القطواني ، حدثنا زيد بن الحباب ، أخبرني عياش بن عقبة ، حدثني خير بن نعيم ، عن أبي الزبير ، عن جابر:أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"الشفع اليومان ، والوتر اليوم الثالث ".
هكذا ورد هذا الخبر بهذا اللفظ ، وهو مخالف لما تقدم من اللفظ في رواية أحمد والنسائي وابن أبي حاتم ، وما رواه هو أيضا ، والله أعلم .
قال أبو العالية ، والربيع بن أنس ، وغيرهما:هي الصلاة ، منها شفع كالرباعية والثنائية ، ومنها وتر كالمغرب ، فإنها ثلاث ، وهي وتر النهار . وكذلك صلاة الوتر في آخر التهجد من الليل .
وقد قال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، عن عمران بن حصين:( والشفع والوتر ) قال:هي الصلاة المكتوبة ، منها شفع ومنها وتر . وهذا منقطع وموقوف ، ولفظه خاص بالمكتوبة . وقد روي متصلا مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولفظه عام ، قال الإمام أحمد:
حدثنا أبو داود - هو الطيالسي - حدثنا همام ، عن قتادة ، عن عمران بن عصام:أن شيخا حدثه من أهل البصرة ، عن عمران بن حصين:أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الشفع والوتر ، فقال:"هي الصلاة ، بعضها شفع ، وبعضها وتر ".
هكذا وقع في المسند ، وكذا رواه ابن جرير عن بندار ، عن عفان وعن أبي كريب ، عن عبيد الله بن موسى ، كلاهما عن همام - وهو ابن يحيى - عن قتادة ، عن عمران بن عصام ، عن شيخ ، عن عمران بن حصين وكذا رواه أبو عيسى الترمذي ، عن عمرو بن علي ، عن ابن مهدي وأبي داود ، كلاهما عن همام ، عن قتادة ، عن عمران بن عصام ، عن رجل من أهل البصرة ، عن عمران بن حصين ، به . ثم قال:غريب ، لا نعرفه إلا من حديث قتادة ، وقد رواه خالد بن قيس أيضا عن قتادة .
وقد روي عن عمران بن عصام ، عن عمران نفسه ، والله أعلم .
قلت:ورواه ابن أبي حاتم:حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا همام عن قتادة ، عن عمران بن عصام الضبعي - شيخ من أهل البصرة - عن عمران بن حصين ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره ، هكذا رأيته في تفسيره ، فجعل الشيخ البصري هو عمران بن عصام [ الضبعي] .
وهكذا رواه ابن جرير:حدثنا نصر بن علي ، حدثني أبي ، حدثني خالد بن قيس ، عن قتادة ، عن عمران بن عصام ، عن عمران بن حصين ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشفع والوتر قال:"هي الصلاة منها شفع ، ومنها وتر ".
فأسقط ذكر الشيخ المبهم ، وتفرد به عمران بن عصام الضبعي أبو عمارة البصري ، إمام مسجد بني ضبيعة وهو والد أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي . روى عنه قتادة ، وابنه أبو جمرة والمثنى بن سعيد ، وأبو التياح يزيد بن حميد . وذكره ابن حبان في كتاب الثقات وذكره خليفة بن خياط في التابعين من أهل البصرة ، وكان شريفا نبيلا حظيا عند الحجاج بن يوسف ، ثم قتله يوم الزاوية سنة ثلاث وثمانين لخروجه مع ابن الأشعث ، وليس له عند الترمذي سوى هذا الحديث الواحد . وعندي أن وقفه على عمران بن حصين أشبه ، والله أعلم .
ولم يجزم ابن جرير بشيء من هذه الأقوال في الشفع والوتر .