القول في تأويل قوله تعالى:قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87)
قال أبو جعفر:يقول تعالى ذكره:قال قوم شعيب:يا شعيب ، أصَلواتك تأمرك أن نترك عبادة ما يعبد آباؤنا من الأوثان والأصنام (36)، (أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء) ، من كسر الدراهم وقطعها ، وبخس الناس في الكيل والوزن، (إنك لأنت الحليم) ، وهو الذي لا يحمله الغضب أن يفعل ما لم يكن ليفعله في حال الرّضى، (37)، (الرشيد) ، يعني:رشيد الأمر في أمره إياهم أن يتركوا عبادة الأوثان، (38) كما:-
18487- حدثنا محمود بن خداش قال ، حدثنا حماد بن خالد الخياط قال ، حدثنا داود بن قيس، عن زيد بن أسلم في قول الله:(أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد) (39) قال:كان مما نهاهم عنه حذف الدراهم (40)،أو قال:قطع الدراهم، الشك من حمّاد. (41)
18488- حدثنا سهل بن موسى الرازي قال ، حدثنا ابن أبي فديك، عنأبي مودود قال:سمعت محمد بن كعب القرظي يقول:بلغني أن قوم شعيب عُذِّبوا في قطع الدراهم، وجدت ذلك في القرآن:(أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء). (42)
18489- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا زيد بن حباب، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي قال:عُذّب قوم شعيب في قطعهم الدراهم فقالوا:(يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء).
18490-. . . . قال، حدثنا حماد بن خالد الخياط، عن داود بن قيس، عن زيد بن أسلم في قوله:(أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء)، قال:كان مما نهاهم عنه حَذْفُ الدراهم.
18491- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:(قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء) ، قال:نهاهم عن قطع الدنانير والدراهم فقالوا:إنما هي أموالنا نفعل فيها ما نشاء، إن شئنا قطعناها، وإن شئنا صرفناها، وإن شئنا طرَحناها!
18492- . . . . قال وأخبرنا ابن وهب قال، وأخبرني داود بن قيس المرّي:أنه سمع زيد بن أسلم يقول في قول الله:(قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء) ، قال زيدٌ:كان من ذلك قطع الدراهم.
* * *
وقوله:(أصلواتك) ، كان الأعمش يقول في تأويلها ما:-
18493- حدثنا الحسن قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري عنالأعمش في قوله:(أصلواتك) قال:قراءتك .
* * *
فإن قال قائل:وكيف قيل:(أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء)، وإنما كان شعيب نهاهم أن يفعلوا في أموالهم ما قد ذكرتَ أنه نهاهم عنه فيها؟
قيل:إن معنى ذلك بخلاف ما توهَّمت. وقد اختلف أهل العربية في معنى ذلك.
فقال بعض البصريين:معنى ذلك:أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا، أو أن نترك أن نفعل في أموالنا ما نشاء،وليس معناه:تأمرك أن نفعل في أموالنا ما نشاء، لأنه ليس بذا أمرهم.
* * *
وقال بعض الكوفيين نحو هذا القول قال. وفيها وجه آخر يجعل الأمر كالنهي، كأنه قال:أصلواتك تأمرك بذا ، وتنهانا عن ذا؟ فهي حينئذ مردودة على أن الأولى منصوبة بقوله "تأمرك "، وأن الثانية منصوبة عطفًا بها على "ما "التي في قوله:(ما يعبد). وإذا كان ذلك كذلك، كان معنى الكلام:أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا، أو أن نترك أن نفعل في أموالنا ما نشاء.
* * *
وقد ذكر عن بعض القراء أنه قرأه (مَا تَشَاء).
* * *
قال أبو جعفر:فمن قرأ ذلك كذلك ، فلا مئونة فيه، وكانت "أن "الثانية حينئذ معطوفة على "أن "الأولى.
* * *
وأما قوله لشعيب:(إنك لأنت الحليم الرشيد) فإنهم أعداء الله ، قالوا ذلك له استهزاءً به ، وإنما سفَّهوه وجهَّلوه بهذا الكلام.
* * *
وبما قلنا من ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:-
18494- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج:(إنك لأنت الحليم الرشيد)، قال:يستهزئون.
18495- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:(إنك لأنت الحليم الرشيد)، المستهزئون ، يستهزئون:بأنك لأنت الحليم الرشيد ! (43)
--------------------
الهوامش:
(36) في المطبوعة في هذا الموضع "أصلاتك "، بالإفراد ، وأثبت ما في المخطوطة .
(37) انظر تفسير "الحليم "فيما سلف ص:406 ، تعليق:1 ، والمراجع هناك .
(38) انظر تفسير "الرشيد "فيما سلف ص:417 ، تعليق:1 ، والمراجع هناك .
(39) جاء في المخطوطة "أصلاتك "بالإفراد ، وهي إحدى القراءتين .
(40) "حذف الشيء "، قطعه من طرفه ، ومنه "تحذيف الشعر "، إذا أخذت من نواحيه فسويته .
(41) الأثر:18487 - "محمود بن خداش الطاقاني "، شيخ الطبري ، مضى برقم:187 . "وحماد بن خالد الخياط القرشي "، ثقة ، كان أميًا لا يكتب ، وكان يقرأ الحديث . مترجم في التهذيب ، والكبير 3 / 1 / 25 ، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 136 .
(42) في المطبوعة هنا أيضًا:"أصلاتك "بالإفراد ، وأثبت ما في المخطوطة . وسأردها إلى المخطوطة حيث وجدتها ، وأترك الإفراد حيث أجده ، بلا إشارة إلى ذلك .
(43) في المطبوعة:"بأنك لأنت "، والصواب المحض ما في المخطوطة .