قال أبو جعفر:يعني جل ثناؤه بقوله:( الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ) ، الذين يختارون الحياة الدنيا ومتاعها ومعاصي الله فيها ، على طاعة الله وما يقرِّبهم إلى رضاه من الأعمال النافعة في الآخرة (29) ( وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) ، يقول:ويمنعون من أراد الإيمان بالله واتّباعَ رسوله على ما جاء به من عند الله ، من الإيمان به واتباعه (30) ( وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا )يقول:ويلتمسون سَبِيل اللهوهي دينه الذي ابتعث به رسوله ( عوجًا ):تحريفًا وتبديلا بالكذب والزّور. (31)
* * *
"والعِوَج "بكسر العين وفتح الواو ، في الدين والأرض وكل ما لم يكن قائمًا ، فأما في كلِّ ما كان قائمًا ، كالحائط والرمح والسنّ ، فإنه يقال بفتح العين والواو جميعًا "عَوَج ". (32)
* * *
يقول الله عز ذكره:( أولئك في ضلال بعيد ) يعني هؤلاء الكافرين الذين يستحبُّون الحياة الدنيا على الآخرة . يقول:هم في ذهابٍ عن الحق بعيد ، وأخذ على غير هُدًى ، وجَوْر عن قَصْد السبيل. (33)
* * *
وقد اختلف أهل العربية في وجه دخول "على "في قوله:( على الآخرة ) ، فكان بعض نحويى البَصْرة يقول:أوصل الفعل بـ"على "كما قيل:"ضربوه في السيف "، يريد بالسيف ، (34) وذلك أن هذه الحروف يُوصل بها كلها وتحذَف ،نحو قول العرب:"نـزلتُ زيدًا "، و "مررت زيدًا "، يريدون:مررت به ، ونـزلت عليه.
* * *
وقال بعضهم:إنما أدخل ذلك ، لأن الفعل يؤدِّي عن معناه من الأفعال ، (35) ففي قوله:( يستحبون الحياة الدنيا ) معناه يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة ، ولذلك أدخلت "على ".
وقد بيَّنت هذا ونظائره في غير موضع من الكتاب ، بما أغنى عن الإعادة. (36)
----------------------
الهوامش:
(29) انظر تفسير "الاستحباب "فيما سلف 14:175 .
(30) انظر تفسير "الصد "فيما سلف:467 ، تعليق:2 ، والمراجع هناك .
وتفسير "السبيل "فيما سلف من فهارس اللغة .
(31) انظر تفسير "الابتغاء "فيما سلف 15:285 ، تعليق:2 ، والمراجع هناك .
وتفسير "العوج "فيما سلف 15:285 ، تعليق:3 ، والمراجع هناك .
(32) انظر بيانًا آخر عن "العوج "فيما سلف 12:448 ، وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1:335 ، وفيه خطأ بين هناك .
(33) انظر تفسير "الضلال "فيما سلف من فهارس اللغة .
(34) انظر ما سيأتي:534 ، تعليق:1 .
(35) قوله:"يؤدي عن معناه من الأفعال "، أي يتضمن معنى فعل غيره .
(36) انظر "مباحث النحو والعربية وغيرها "، فيما سلف من أجزاء هذا الكتاب .