{يَسْتَحِبُّونَ}: يختارون ويؤثرون .
{الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخرةِ} بما تمثله الحياة الدنيا من القيم المادية التي يخلد بها الإنسان إلى الأرض ،فلا يرتفع إلى الآفاق الروحية ،ولا يسمو إلى آفاق الله ،بل يظل في حالة انحطاط ،مع غرائزه وانفعالاته ،مقابل الآخرة ،التي تمثل القيم الروحية والإنسانية التي تدعو الإنسان للتجرد من جانبه الغريزي ،وتوجهه نحو السموّ بآفاق فكره وروحه وحياته ،وتدفعه إلى التخلُّق بأخلاق الله ،والالتزام بشريعته حيث يمكن أن يلتقي بالخير من أقرب طريق .
{وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّه} ،بوقوفهم ضد الدعاة إليه ومنعهم الناس من الاستماع إليهم ،ومن الانسجام مع طروحاتهم ،وتعاونهم مع قوى الكفر والشر والضلال لتأكيد مناهجهم ،في الفكر والعمل ،ولإبعاد الناس عن سبيل الله الذي هو الإسلام كله ،وزجّهم في سبيل الشيطان الذي هو الكفر كله ،والانحراف كله .{وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} فلا يريدون السير على خط الاستقامة ،بل يعملون على خط الالتواء والانحراف والاعوجاج .
{أُوْلَئِكَ فِي ضلالٍ بَعِيدٍ} ،فقد امتد سيرهم في خط الانحراف الفكري والعملي ،فتاهوا في مجاهل الكفر والعصيان ،حتى بلغوا في الضياع شأواً بعيداً .
وإذا كان الأساس في عذاب الكافرين وبعدهم عن ساحة رحمة الله ،هو تفضيلهم الدنيا على الآخرة ،وصدّهم عن سبيل الله ،وسيرهم في خط الاعوجاج ،فإن المسألة قد تطال غير الكافرين من المسلمين الذين قد يعيشون الإسلام في أفكارهم كحالةٍ ثقافيةٍ ،ولكنهم يعيشون الكفر في خطهم العملي ،في ما تمثله من قيمٍ سلبيةٍ تسيء إلى مسيرة الإيمان والطاعة والالتزام .