قوله: ( الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ) الاستحباب هو طلب محبة الشيء .والمعنى: أن الكافرين يختارون الحياة الدنيا بزينتها ومتاعها وزخرفها على الآخرة .أو أنهم يستبدلون الدنيا من الآخرة .وهؤلاء هم الأخسرون الذين خسروا أنفسهم يوم القيامة فباءوا بالعذاب والخزي .
قوله: ( ويصدون عن سبيل الله ) الكافرون الظالمون مجانبون بأنفسهم عن دين الله .وهم لا يكتفون بمجانبتهم ونأيهم عن منهج الله ؛بل يبادرون في هوس مريض ،ونشاط ماكر ،وخبث فظيع ،وضغينة عاتية مركوزة ؛لصد الناس عن دين الله والحيلولة بين البشرية وهذا الدين العظيم الحكيم .وأنكى من ذلك كله أنهم كما وصفهم الله بقوله: ( ويبغونها عوجا ) ( عوجا ) ،منصوب على المصدر في موضع الحال .وقيل: مفعول ثان للفعل يبغون{[2367]} ؛يعني يطلبون لسبيل الله وهو دينه ،الزيغ والاعوجاج ؛أي يبتغون أن يروا في دين الله الزيغ عن الاستقامة والتنكب عن الحق والصواب .وذلك هو شأن الكافرين الحاقدين المضلين وديدنهم في كل زمان ؛فإنهم يريدون للإسلام التشويه والزيغ ؛ليصير دينا مقلوبا آخر ،دينا محرفا مبدلا وقد أتت عليه ظواهر التغيير والتشويه والتمسيخ ؛كيلا يكون بعد ذلك الدين الحقيقي الذي أراده الله للعالمين .
هكذا يريد الظالمون في عصرنا الراهن من استعماريين ووثنيين وصليبيين وملحدين وصهيونيين وعملاء!!يريدون للإسلام التشويه والزيغ والاعوجاج ؛لينقلب إلى دين يرضون هم عنه ،دين غير دين الله ،دين تغشاه ظواهر شتى من السلبية والانطوائية والانمياع والترقيع والضعف .
وذلكم هو العوج الفادح الوبيل الذي يندد الله به وبالذين يتنادون لإظهاره وتثبيته متذرعين بذرائع في غاية الزور والتهافت والافتراء والخداع .
قوله: ( أولئك في ضلال بعيد ) ذلك إخبار من الله عن هؤلاء الذين اختاروا الحياة الدنيا ؛إذ آثروها على الآخرة ،والذين يصدون الناس عن دين الله الحق ويبتغون له الزيغ والاعوجاج وذلك بتغييره أو تبديله وتشويهه ؛فإنهم بعيدون عن الحق بعدا عظيما وسادرون في الظلام والغي حتى يلاقوا مصيرهم الأليم{[2368]} .