وقوله ( أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ ) يقول تعالى ذكره:أرأيت هذا الذي كرّمته عليّ، فأمرتني بالسجود له، ويعني بذلك آدم ( لَئِنْ أَخَّرْتَنِي ) أقسم عدوّ الله، فقال لربه:لئن أخرت إهلاكي إلى يوم القيامة ( لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا ) يقول:لأستولين عليهم، ولأستأصلنهم، ولأستميلنهم يقال منه:احتنك فلان ما عند فلان من مال أو علم أو غير ذلك؛ ومنه قول الشاعر:
نَشْــكُو إِلَيْــكَ سَـنَةً قَـدْ أجْحَـفَتْ
جَــهْدًا إلـى جَـهْدٍ بنـا فـأضْعَفَتْ
واحْتَنَكـَتْ أمْــوَالَنا وجَـلَّفَتْ (5)
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال:ثنا أبو عاصم، قال:ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال:ثنا الحسن، قال:ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، في قول الله تبارك وتعالى ( لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا ) قال:لأحتوينهم.
حدثنا القاسم، قال:ثنا الحسين، قال:ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثني عليّ، قال:ثنا عبد الله، قال:ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا ) يقول:لأستولينّ.
حدثني يونس، قال:أخبرنا ابن وهب، قال:قال ابن زيد، في قوله ( لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا ) قال:لأضلنهم، وهذه الألفاظ وإن اختلفت فإنها متقاربات المعنى، لأن الاستيلاء والاحتواء بمعنى واحد، وإذا استولى عليهم فقد أضلهم.
-------------------------
الهوامش:
(5) هذه أبيات ثلاثة من مشطور الرجز، من الأرجوزة السادسة في بقية ديوان الزفيان السعدي (عطاء بن أسيد الراجز) وهي ملحقة بديوان العجاج المطبوع في ليبزج سنة 1903 ص 65، مع اختلاف في رواية بعضها. والبيتان الأولان هما:
نشــكو إليــك سـنة قـد جـلفت
أموالنــا مــن أصلهــا وجـرفت
أما البيت الثالث فليس في الأرجوزة. ومعنى أجحفت:أضرت بنا، وذهبت أموالنا، فلقينا من شهدتها جهدا إلى جهد. واحتنكت:قال أبو عبيدة في مجاز القرآن (:384) يقال:احتنك فلان ما عند فلان أجمع من مال أو علم أو حديث أو غيره:أخذه كله واستقصاه. قال:نشكو إليك...إلخ الأبيات. ومعنى جلفت:قشرت أو قشر الجلد مع شيء من اللحم. والأبيات شاهد على أن الاحتناك معناه الاستئصال.