وقوله:( اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ ) يقول:أدخل يدك، وفيه لغتان:سلكته, وأسلكته ( فِي جَيْبِكَ ) يقول:في جيب قميصك.
كما حدثنا بشر, قال:ثنا يزيد, قال:ثنا سعيد, عن قَتادة ( اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ ):أي في جيب قميصك.
وقد بيَّنا فيما مضى السبب الذي من أجله أُمر أن يدخل يده في الجيب دون الكمّ.
وقوله:( تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) يقول:تخرج بيضاء من غير برص.
كما حدثنا بشر, قال:ثنا ابن المفضل, قال:ثنا قرة بن خالد, عن الحسن, في قوله:( اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) قال:فخرجت كأنها المصباح, فأيقن موسى أنه لقي ربه.
وقوله:( وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ ) يقول:واضمم إليك يدك.
كما حدثنا القاسم, قال:ثنا الحسين, قال:ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قال:قال ابن عباس ( وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ ) قال:يدك.
حدثنا ابن حميد, قال:ثنا جرير, عن ليث, عن مجاهد ( وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ ) قال:وجناحاه:الذراع. والعضد:هو الجناح. والكفّ:اليد,وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ.
وقوله:( مِنَ الرَّهْبِ ) يقول:من الخوف والفرَق الذي قد نالك من معاينتك ما عاينت من هول الحية.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عمرو, قال:ثنا أبو عاصم, قال:حدثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال:ثنا الحسن قال:ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله:( مِنَ الرَّهْبِ ) قال:الفرَق.
حدثنا القاسم, قال:ثنا الحسين, قال:ثنا حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, مثله.
حدثنا بشر, قال:ثنا يزيد, قال:ثنا سعيد, عن قَتادة ( وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ):أي من الرعب.
حدثني يونس, قال:أخبرنا ابن وهب, قال:قال ابن زيد, في قوله:( مِنَ الرَّهْبِ ) قال:مما دخله من الفرق من الحيّة والخوف, وقال:ذلك الرهب, وقرأ قول الله:وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًاقال:خوفا وطمعا.
واختلف القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء أهل الحجاز والبصرة:(مِنَ الرَّهَب) بفتح الراء والهاء. وقرأته عامة قرّاء الكوفة:(مِنَ الرُّهْبِ) بضم الراء وتسكين الهاء, والقول في ذلك أنهما قراءتان متفقتا المعنى مشهورتان في قراء الأمصار, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقوله:( فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ ) يقول تعالى ذكره:فهذان اللذان أريتكهما يا موسى من تحول العصا حية, ويدك وهي سمراء, بيضاء تلمع من غير برص, برهانان:يقول:آيتان وحجتان. وأصل البرهان:البيان, يقال للرجل:يقول القول إذا سئل الحجة عليه:هات برهانك على ما تقول:أي هات تبيان ذلك ومصداقه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك, قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا موسى, قال:ثنا عمرو, قال:ثنا أسباط, عن السدي ( فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ ) العصا واليد آيتان.
حدثني محمد بن عمرو, قال:ثنا الحسين, قال:ثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله ( فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ ) تبيانان من ربك.
حدثنا ابن حميد, قال:ثنا سلمة, عن ابن إسحاق ( فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ ) هذان برهانان.
حدثني يونس, قال:أخبرنا ابن وهب, قال:قال ابن زيد, في قوله:( فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ ) فقرأ:هَاتُوا بُرْهَانَكُمْعلى ذلك آية نعرفها, وقال:( برهانان ) آيتان من الله.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله:(فَذَانِكَ) فقرأته عامة قراء الأمصار, سوى ابن كثير وأبي عمرو:( فَذَانِكَ ) بتخفيف النون, لأنها نون الاثنين, وقرأه ابن كثير وأبو عمرو:"فَذَانِّكَ"بتشديد النون.
واختلف أهل العربية في وجه تشديدها, فقال بعض نحويي البصرة:ثقل النون من ثقلها للتوكيد, كما أدخلوا اللام في ذلك. وقال بعض نحويي الكوفة:شددت فرقا بينها وبين النون التي تسقط للإضافة, لأن هاتان وهذان لا تضاف. وقال آخر منهم:هو من لغة من قال:هذاآ قال ذلك, فزاد على الألف ألفا, كذا زاد على النون نونا ليفصل بينهما وبين الأسماء المتمكنة, وقال في (ذَانِكَ) إنما كانت ذلك فيمن قال:هذان يا هذا, فكرهوا تثنية الإضافة فأعقبوها باللام, لأن الإضافة تعقب باللام.وكان أبو عمرو يقول:التشديد في النون في (ذَانِكَ) من لغة قريش.
يقول:( إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ) إلى فرعون وأشراف قومه, حجة عليهم, ودلالة على حقيقة نبوّتك يا موسى ( إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ) يقول:إن فرعون وملأه كانوا قوما كافرين.