القول في تأويل قوله:لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7)
قال أبو جعفر:يعني بذلك تعالى ذكره:للذكور من أولاد الرجل الميِّت حصة من ميراثه، وللإناث منهم حصة منه، من قليل ما خلَّف بعده وكثيره، حصة مفروضة، (1) واجبةٌ معلومة مؤقتة. (2)
* * *
وذكر أن هذه الآية نـزلت من أجل أن أهل الجاهلية كانوا يُورِّثون الذكور دون الإناث، كما:-
8655 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قال:كانوا لا يورِّثون النساء، فنـزلت:"وللنساء نصيبٌ مما ترك الوالدان والأقربون ".
8656 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة قال:نـزلت في أم كحلة وابنة كَحْلة، وثعلبة وأوس بن سويد، وهم من الأنصار. كان أحدهم زوجها والآخر عم ولدها، فقالت:يا رسول الله، توفي زوجي وتركني وابنته، فلم نورَّث! فقال عم ولدها:يا رسول الله، لا تركب فرسًا، ولا تحمل كلا ولا تنكى عدوًّا، يكسب عليها ولا تكتسب! فنـزلت:"للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قلَّ منه أو كثر نصيبًا مفروضًا ". (3)
* * *
8657 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون "، قال:كان النساء لا يورَّثن في الجاهلية من الآباء، (4) وكان الكبير يرث، ولا يرث الصغير وإن كان ذكرًا، فقال الله تبارك وتعالى:"للرجال نصيبٌ مما ترك الوالدان والأقربون "إلى قوله:"نصيبًا مفروضًا ".
قال أبو جعفر:ونصب قوله:"نصيبًا مفروضًا "، وهو نعت للنكرة، لخروجه مخرجَ المصدر، كقول القائل:"لك عليّ حقّ واجبًا ". ولو كان مكان قوله:"نصيبًا مفروضًا "اسم صحيح، لم يجز نصبه. لا يقال:"لك عندي حق درهمًا "فقوله:"نصيبًا مفروضًا "، كقوله:نصيبًا فريضة وفرضًا، كما يقال:"عندي درهم هبةً مقبوضة ". (5)
----------------------
الهوامش:
(1) انظر تفسير"الفرض"فيما سلف 4:121 / 5:120.
(2) موقتة:مقدرة محددة ، وأصلها من"الوقت"ثم اتسع في استعمالها في كل محدود ، ومنه حديث علي رضي الله عنه."فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوقت فيها شيئًا"، أي:لم يفرض في شرب الخمر مقدارًا معينًا من الجلد. ومنه أخذ النحويون قولهم في العلم الشخصي الذي يعين مسماه تعيينًا مطلقًا غير مقيد ، مثل"زيد"هو:"معرفة موقتة"، وانظر شرح ذلك في 1:181 ، تعليق:1.
(3) الأثر:8656- خرجه الحافظ ابن حجر في الإصابة في ترجمة"أم كجة"، والسيوطي في الدر المنثور 2:122 ، ونسبه لابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم. أما الحافظ فذكر رواية الطبري وقال فيها:"نزلت في أم كجة ، وبنت أم كجة ، وثعلبة ، وأوس بن ثابت"فخالف نص الطبري في هذا الموضع ، في"أم كجة"، و"أوس بن ثابت"كما ترى. وكانت في المطبوعة:"أم كحة"وبنت كحة بالحاء المهملة ، والصواب بضم الكاف وتشديد الجيم المفتوحة ، كما ضبطها الحافظ في الإصابة. وأما السيوطي فقال:"نزلت في أم كلثوم وابنة أم كحلة ، أو أم كحة"، بالحاء المهملة أيضًا وهو خطأ. وأما "أم كحلة"كما جاء في المخطوطة ، وكما أثبتها ، فقد قال الحافظ في الإصابة أيضًا:"وأما المرأة ، فلم يختلف في أنها أم كجة -بضم الكاف وتشديد الجيم- إلا ما حكى أبو موسى عن المستغفري أنه قال فيها:أم كحلة -بسكون المهملة بعدها لام ، وإلا ما تقدم من أنها بنت كجة ، كما في روايتي ابن جريج ، فيحتمل أن تكون كنيتها وافقت اسم أبيها ، فيستفاد من رواية ابن جريج أنها أم كلثوم".
وهذا كأنه ينفي أن تكون رواية الطبري:"أم كحلة"، ولكن المخطوطة أثبتت ذلك واضحًا في الموضعين ، فلم أجد سبيلا إلى إغفالها أو تغييرها مع هذه الرواية التي رواها الحافظ عن المستغفري ، وثبوتها أيضًا في نص السيوطي ، فيما نقله عن الطبري ، وابن أبي حاتم ، وابن المنذر.
وسيأتي ذكر أم كجة في الأثر رقم:8725 وأنها امرأة عبد الرحمن أخو حسان بن ثابت ، فانظر التعليق على الأثر هناك.
وأما "أوس بن سويد"فكما رأيت ، ذكره الحافظ منسوبًا إلى ابن جرير"أوس بن ثابت"، ولكن الثابت في أصول التفسير وما نقل عنه ، "أوس بن سويد". وقد ترجم الحافظ لأوس بن ثابت الأنصاري وأوس بن سويد ، ولثعلبة بن ثابت الأنصاري ، وثعلبة بن سويد ، وذكر الاختلاف في اسميهما في هذه القصة نفسها. وقد تركت نص الطبري كما هو ، واكتفيت بإثبات الاختلاف الذي ذكر الحافظ ابن حجر ،ومن شاء فليستوفه من هناك ، ومن مظانه الأخرى.
* * *
وقوله:لا تحمل كلا":أي لا تلي أمر العيال والسعي عليهم."والكل":العيال ،يحتاجون إلى من يحملهم ويرزقهم ، كاليتيم وغيره.
وقوله:"ولا تنكى عدوًا"، يقال منه:"نكيت العدو أنكى (بكسر الكاف) نكاية"، إذا أصاب منهم ، فقتل وأكثر الجراح. ويقال فيه أيضًا:"ونكأت العدو"بالهمز ، بمعناه. وكان في المطبوعة؛"ولا تنكأ"بالهمز ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهما صواب جميعًا.
(4) في المطبوعة:"لا يرثن"غير ما في المخطوطة ، وهو ما أثبته.
(5) انظر معاني القرآن للفراء 1:257 ، فهو كنص عبارته.