{ للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون} هذه قاعدة عامة لأصل التوريث في الإسلام ، وهي قاعدة ان الرجال لا يختصون بالميراث ، بل للنساء معهم حظ مقسوم ، ونصيب مفروض ، سواء أكان قليلا ام كان كثيرا ، وهذا إبطال لما كان يقع في الجاهلية من حرمان النساء من الميراث وقصره على الرجال . وذكر في هذا الموضع عند الكلام في شئون اليتامى ؛ لن الظلم عليهم كما يقع في أموالهم الثابتة ، قد يقع في أموالهم التي تئول إليهم من مورثيهم ، فهذا النص أفاد دفع الظلم عن ضعيفين هما المراة واليتيم ، أفاد دفع الظلم عن المرأة بالنص ، وأفاد دفع الظلم عن اليتيم بالإشارة ، وسيصرح القرآن الكريم بذلك في قوله سبحانه:{ وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم . . .9}[ النساء] . ولقد روى ابن عباس انه قال:كان اهل الجاهلية لا يورثون البنات ولا الصغار الذكور حتى يدركوا ، فمات رجل من الأنصار يقال له أوس بن ثابت وترك ابنتين وابنا صغيرا ، فجاء ابنا عمه – وهما عصبته – فأخذا ميراثه كله ، فأتت امرأته رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرت ذلك ، فنزل قوله تعالى:{ للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون}{[673]} .
وقد ذكر سبحانه الحق مرتين ، فذكره اولا للرجال فقال:{ للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون} ثم ذكره ثانيا للنساء فقال:{ وللنساء} وذلك ليؤكد حقهم ، وليبين انه حق مستقل عن حق الرجل ، ثبت لها استقلالا بالقرابة ، كما ثبت له استقلالا بالقرابة ، حتى لا يتوهم احد ان حقها تابع لحقه بأي نوع من أنواع التبعية ، ثم أكد سبحانه الحق بقوله:
{ مما قل او كثر نصيبا مفروضا} هذا تأكيد لحق النساء في التركة ، وقد أكده مرتين –أولاهما- انه يجب في كل تركة قليلة أو كثيرة فليس حقها تسامحا يعطي ، ولكنه حق ثابت ، لا يقدم حق للرجل ، ويؤخر حق المراة ، بل يثبتان معا في القليل والكثير ، ولا تسامح في القليل- ثانيهما قوله:{ نصيبا مفروضا} وهي منصوبة على الاختصاص ، والاختصاص يفيد العناية أي قدرا عناه الله تعالى وقصده{ مفروضا} أي مقطوعا لا سبيل إلى الهوادة فيه ، والاكتفاء ببعضه نزرا يسيرا ، او مقدارا كبيرا ، فلا بد من إعطائه كاملا غير منقوص .