المعنى:أخرج أبو الشيخ وابن حبان في كتاب الفرائض من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال"كان أهل الجاهلية لا يورثون البنت ولا الصغار الذكور حتى يدركوا فمات رجل من الأنصار يقال له أوس بن ثابت وترك ابنتين وابنا صغيرا ، فجاء ابنا عمه خالد وعرفطة- وهما عصبته- فأخذا ميراثه كله فأتت امرأته رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكرت له ذلك فقال:ما أدري ما أقول فنزلت ":
( للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا ) ذكره السيوطي في لباب النقول .وطريق الكلبي عن أبي صالح هي أوهى الطرق عن ابن عباس وأضعفها .وأخرج ابن جرير في تفسيره عن ابن جريج عن عكرمة قال:نزلت في أم كحلة وابنة كحلة وثعلبة وأوس بن سويد وهم من الأنصار كان أحدهم زوجها والآخر عم ولدها .فقالت:يا رسول الله توفي زوجي وتركني وابنته فلم نورث .فقل عم ولدها يا رسول الله لا تركب فرسا ولا تحمل كلا ولا تنكي عدوا ، نكسب عليها ولا تكسب ، فنزلت الآية .وروي عن قتادة وابن زيد أنها نزلت في إبطال ما كانت عليه الجاهلية من عدم توريث النساء ، زاد ابن زيد ولا الصغار ، لم يذكروا واقعة معينة .
الأستاذ الإمام:جمهور المفسرين على أن هذا الكلام جديد وهو انصراف عن الموضوع قبله ولكن قوله تعالى بعد ثلاث آيات ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ) الخ يدل على أن الكلام في شأن اليتامى لا يزال متصلا ، فإنه بعد أن بين التفصيل في حرمة أكل أموال اليتامى وأمر بإعطائهم أموالهم إذا رشدوا ذكر أن المال الموروث الذي يحفظه الأولياء لليتامى يشترك فيه الرجال والنساء خلافا لما كان في الجاهلية من عدم توريث النساء فهذا تفصيل آخر في المال نفسه بعد ذلك التفصيل في الإعطاء ووقته وشرطه .ومال اليتامى إنما يكون في الأغلب من الوالدين والأقربين .فمعنى الآية:إذا كان لليتامى مال مما تركه لهم الوالدان والأقربون فهم فيه على الفريضة لا فرق في شركة النساء والرجال فيه بين القليل والكثير ، ولهذا كرر ( مما ترك الوالدان والأقربون ) وعنى بقوله ( نصيبا مفروضا ) أنه حق معين مقطوع به لا محاباة فيه وليس لأحد أن ينقصهم منه شيئا .
وأقول زيادة في إيضاح رأي الأستاذ الإمام:إن الأوامر والنواهي في الآيات السابقة كانت في إبطال ما كانت عليه العرب في الجاهلية من هضم حق الضعيفين اليتيم والمرأة وبيان حقوق اليتامى والزوجات ومنع ظلمهن فمنع فيها أكل أموال اليتامى بضمها إلى أموال الأولياء أو بالاستبدال الذي يؤخذ فيه جيد اليتيم ويعطى رديئا بدله ، ومنع أكل مهور النساء أو عضلهن للتمتع بأموالهن أو تزوجيهن بغير مهر أو الاستكثار منهن لأكل أموالهن وغير ذلك من ظلمهن – فكما حرم هذا كله فيما تقدم حرم في هذه الآية منع توريث المرأة والصغير- فالكلام لا يزال في حقوق اليتامى والنساء ومنع الظلم الذي كان يصيب كلا منهما .وذكر بلفظ الرجال والنساء لأن الحكم فيه عام .
ومن مباحث اللفظ أن قوله"مما قل منه أو كثر "بدل مما قبله وقوله"نصيبا "منصوب على الاختصاص بمعنى أعني نصيا مفروضا أو على المصدر المؤكد كقوله ( فريضة من الله ) كأنه قال قسمة مفروضة .كذا في الكشاف وجوز غيره انتصابه على الحال .