القول في تأويل قوله:قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ
قال أبو جعفر:يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:"قل "، يا محمد، لهؤلاء المشركين العادلين بربهم الأوثانَ والأصنامَ, والمنكرين عليك إخلاص التوحيد لربك, الداعين إلى عبادة الآلهة والأوثان:أشيئًا غيرَ الله تعالى ذكره:"أتخذ وليًّا "، أستنصره وأستعينه على النوائب والحوادث، (31) كما:-
13110 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي:"قل أغير الله أتخذ وليًّا "، قال:أما "الولي"، فالذي يتولَّونه ويقرّون له بالربوبية .
* * *
="فاطر السماوات والأرض "، يقول:أشيئًا غير الله فاطر السماوات والأرض أتخذ وليًّا؟ ف "فاطر السماوات "، من نعت "الله "وصفته، ولذلك خُفِض. (32)
ويعني بقوله:"فاطر السماوات والأرض "، مبتدعهما ومبتدئهما وخالقهما، كالذي:-
13111 - حدثنا به ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن سعيد القطان, عن سفيان, عن إبراهيم بن مهاجر, عن مجاهد قال:سمعت ابن عباس يقول:كنت لا أدري ما "فاطر السماوات والأرض ",حتى أتاني أعرابيّان يختصمان في بئر, فقال أحدهما لصاحبه:"أنا فَطَرتها ",يقول:أنا ابتدأتها.
13112 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي:"فاطر السماوات والأرض "، قال:خالق السماوات والأرض.
13113 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله:"فاطر السماوات والأرض "، قال:خالق السماوات والأرض.
* * *
يقال من ذلك:"فطرها الله يَفطُرُها وَيفطِرها فَطرًا وفطورًا "(33) = ومنه قوله:هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ[سورة الملك:3] ، يعني:شقوقًا وصدوعًا. يقال:"سيف فُطارٌ"، إذا كثر فيه التشقق, وهو عيب فيه، ومنه قول عنترة:
وَسَــيْفِي كَالْعَقِيقَــةِ فَهْـوَ كِـمْعِي,
سِـــلاحِي, لا أَفَــلَّ وَلا فُطَــارَا (34)
ومنه يقال:"فَطَر ناب الجمل "، إذا تشقق اللحم فخرج، ومنه قوله:تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ[سورة الشورى:5] ، أي:يتشققن، ويتصدعن.
* * *
وأما قوله:"وهو يطعم ولا يطعم "، فإنه يعني:وهو يرزق خلقه ولا يرزق، كما:-
13114 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي:"وهو يطعم ولا يطعم "، قال:يَرْزق, ولا يُرزق.
* * *
وقد ذكر عن بعضهم أنه كان يقرأ ذلك:(35) (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يَطْعَمُ)، أي:أنه يُطعم خلقه, ولا يأكل هو = ولا معنى لذلك، لقلة القراءة به.
* * *
القول في تأويل قوله:قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14)
قال أبو جعفر:يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:"قل "، يا محمد، للذين يدعونك إلى اتخاذ الآلهة أولياء من دون الله، ويحثّونك على عبادتها:أغير الله فاطر السماوات والأرض, وهو يرزقني وغيري ولا يرزقه أحد, أتخذ وليًّا هو له عبد مملوك وخلق مخلوق؟ وقل لهم أيضًا:إني أمرني ربي:"أن أكون أول من أسلم "يقول:أوّل من خضع له بالعبودية، وتذلّل لأمره ونهيه، وانقاد له من أهل دهرِي وزماني ="ولا تكوننَّ من المشركين "، يقول:وقل:وقيل لي:لا تكونن من المشركين بالله، الذين يجعلون الآلهة والأنداد شركاء.
= وجعل قوله:"أمرت "بدلا من:"قيل لي",لأن قوله "أمرت "معناه:"قيل لي". فكأنه قيل:قل إني قيل لي:كن أول من أسلم, ولا تكونن من المشركين= فاجتزئ بذكر "الأمر "من ذكر "القول ",إذ كان "الأمر "، معلومًا أنه "قول ".
-----------------
الهوامش:
(31) انظر تفسير"الولي"فيما سلف 10:424 ، تعليق:1 ، والمراجع هناك.
(32) انظر معاني القرآن للفراء 1:328 ، 329.
(33) هذه العبارة عن معنى"فطر"، فاسدة جدًا ، ولا شك عندي في أن الكلام قد سقط منه شيء ، فتركته على حاله ، مخافة أن يكون في نص أبي جعفر شيء لم تقيده كتب اللغة. ومن شاء أن يستوفي ذلك ، فليراجع كتب اللغة.
(34) ديوانه ، في أشعار الستة الجاهلين:384 ، وأمالي ابن الشجري 1:19 ، واللسان (فطر) (عقق) (كمع) (فلل) ، من أبياته التي قالها وتهدد بها عمارة بن زياد العبسي ، وكان يحسد عنترة على شجاعته ، ويظهر تحقيره ، ويقول لقومه بني عبس:"إنكم قد أكثرتم من ذكره ، ولوددت أني لقيته خاليا حتى أريحكم منه ، وحتى أعلمكم أنه عبد"! فقال عنترة:
أحَـوْلِي تَنْفُــضُ اسْـتُكَ مِذْرَوَيهَـا
لِتَقْتُلَنِــي? فَهَــا أنَــا ذَا، عُمَـارَا!
مَتَـى مـا تَلْقَنِـى خِـلْوَينَ، تَرْجُـفْ
رَوَانِـــفُ ألْيَتَيْـــكَ وتُسْــتَطَارَا
وَسَــيْفِي صَــارِمٌ قَبَضَـتْ عَلَيْـهِ
أشَــاجِعُ لا تَــرَى فِيهَـا انْتِشَـارَا
وسَـــيْفِي كالعَقِيقِـــة . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
و"العقيقة":شقة البرق ، وهو ما انعق منه ، أي:تشقق. و"الكمع"و"الكميع"الضجيع. و"الأفل":الذي قد أصابه الفل ، وهو الثلم في حده.
(35) في المطبوعة والمخطوطة:"أنه كان يقول ذلك"، وهو خلط شديد ، صواب قراءته ما أثبت. وهذه القراء التالية ، ذكرها ابن خالويه في شواذ القراءات:36 ، ونسبها إلى الأعمش ، وذكرها أبو حيان في تفسيره 4:85 ، 86 ، ونسبها أيضًا إلى مجاهد وابن جبير ، وأبي حيوة ، وعمرو بن عبيد ، وأبي عمرو ، في رواية عنه.