{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً} وهل يصلح غيره للولاية ،وهل يمكن أن يتولى الولاية من لا يملك من أمره شيئاً ،وهو المخلوق الذي يحتاج في وجوده إلى الخالق ،وفي استمرار حياته إلى من يغذيه ويطعمه وينميه ويرعاه ،وكيف يمكن أن يتولّى رعاية المحتاج الضعيف محتاج ضعيف مثله ؟
إن الولاية تمثل الإشراف والرعاية والاحتواء في كل ما يحتاجه الإنسان من شؤون القوة والحركة والحياة ،ما يفرض القدرة التي تتحرك في أكثر من اتجاه ،وتلتقي بأكثر من مجال ،وتواجه كل المواقف بما يناسبها أمام كل التحديات المباشرة وغير المباشرة ..وهل هناك غير الله{فَاطِرِ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ} الذي أبدعها بكل ما فيها من مخلوقاتٍ حيّةٍ وجامدة ،فهو الغني عن كل شيء فيها ،إذ لا شيء في الوجود إلا خلقه ؟!{وَهُوَ يُطْعِمُ} فمنه كل غذاء الإنسان والحياة والنبات والجماد ،{وَلاَ يُطْعَمُ} لأنه ليس جسماً يحتاج إلى التغذية والتنمية ،بل هو الذي خلق الغذاء والنموّ في داخل حركة الجسم .
وهكذا تتمثل الولاية من الله واقعاً حيّاً يعيشه الإنسان كهاجسٍ في الشعور الداخلي ،وكطاعة في ممارسته لحركة الإيمان .وها هو يواجه الكون كله بالطاعة للأمر الإلهي بالإسلام لله بأن يكون أول من أسلم:{قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ} وذلك هو مظهر العبودية الحقة ؛أن لا يكون لك موقف أو كلام أو انتماء خارج نطاق أمر الله ونهيه ،بل أن يكون كيانك كله لله في استسلامٍ خاضعٍ خاشعٍ حتى الانسحاق أمامه ،وإذا كان الحديث في الآية للرسول( ص ) في ما يناجي به نفسه ،فإنه يمتد إلى كل موجودٍ حيٍّ عاقلٍ بأن يتمثل الموقف في إسلام الأمر لله في الفكر والشعور والحياة ،فلا ينتظر من الآخرين أن يسبقوه ،بل يحاول أن يكون هو الذي يتسلم زمام المبادرة لتسليمه بالحقيقة الواضحة التي تفرض نفسها عليه .
وينتقل الحديث من أسلوب الغيبة في الحديث عن الله إلى الخطاب ،ليتمثل الله بكل حضوره العظيم الضاغط على الكون ،وهو يحذّر الإنسان من الشرك الذي يرهق حسّ الصفاء الروحي للوحدانية في الفكر والشعور:{وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ} .